IMLebanon

باسيل في ملعب «العهد»

 

«قَطَفَها باسيل» مرّة أخرى. هذا رأي المؤيّدين. وفي تقديرهم أنّ القطافَ «لا يبدأ في الحكومة العتيدة ولا ينتهي في استحقاق رئاسة الجمهورية المقبل». لكنّ الخصوم يقولون: «على العكس، هو ينزلق أكثر في المحور السائر نحو المُنحدَر. وربما يحقّق الرجل بعض المكاسب الآنيّة، ولكن، في المدى البعيد، ستكون الأوراقُ مرشّحة للخلط مرّات ومرّات، فلا تستعجلوا»!

 

بين وجهتي النظر، باسيل لا ينظر إلى الوراء. هو يكمل الرهان الذي بدأه الرئيس ميشال عون، منذ العام 2006، على العلاقة مع «حزب الله».

 

كمهندس، يمكن لباسيل – حسابياً – أن يعتبر أنه على حقّ. فعون وصل إلى رئاسة الجمهورية بسبب التحالف مع «حزب الله»، مع أنّ حظوظه في الأساس لم تكن أفضل بكثير من أيِّ قطب ماروني آخر، كالدكتور سمير جعجع أو الرئيس أمين الجميل، لأنّ بلوغ الرئاسة ليس مرتبطاً باتّساع الزعامة المسيحية بل بحسابات أخرى.

 

لولا التحالف مع «الحزب»، ربما كانت حظوظ عون هذه أضعف من حظوظ «الوسطيين» الموارنة المعروفة أسماؤهم، وهم المفضَّلون لدى غالبية أركان «التحالف الرباعي» الذي نشأ في 2005، لاعتقاد هؤلاء أنّ هذه الفئة من المرشحين «لا تُوجِّع الراس».

 

وحتماً، كانت حظوظه أضعف بكثير من حظوظ رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية. فالرئيس سعد الحريري فاجأ الجميع بتسميته فرنجية، من داخل صفّ 8 آذار، متخلّياً عن جعجع، مرشح 14 آذار الرسمي. وقد حظي فرنجية بدعم الرئيس نبيه بري ورئيس التقدمي وليد جنبلاط.

 

ولولا أنّ عون واجه هذا الخيار بقوة، إلى حدّ التلويح بإعادة النظر في علاقاته، حتى مع «حزب الله»، ولولا رغبة «الحزب» بعدم «إغضاب» الحليف الماروني القوي، واضطرار جعجع، ثم الحريري، إلى تعديل مواقفهما تجاهه، لكانت التسويةُ تمّت مع فرنجية لا مع عون.

 

ولذلك، يدرك باسيل أنّ السندَ الأساسي لعهد عون، كما للعهد الذي يليه يبقى «حزب الله». وخلال العامين الفائتين، خاض عون – ويخوض- مواجهاتٍ مباشرة وغير مباشرة، متزامنة ومتلاحقة، مع الجميع تقريباً: بري، جنبلاط، جعجع، فرنجية… لكنّ الجبهة آمِنة مع «حزب الله». وهذا مصدر قوة أساسي له.

 

طبعاً، يقول كثيرون: «لا شيءَ في السياسة بلا ثمن. وأساساً، كان الثمن الذي دفعه عون عام 2006، لكي يدخل «تفاهم مار مخايل»، هو الانتقال من خط 14 آذار إلى الخط المقابل، والإعتراف بمشروعية سلاح «حزب الله» في الداخل (مبرّر المواجهة مع إسرائيل) ثم في حروب المنطقة بعد 2011 (مبرّر المواجهة مع الإرهاب).

 

وأما مبرِّر الانتقال إلى مرحلة العلاقات الجيدة مع سوريا – الأسد فهو أنها أنهت احتلالها للبنان، وبات منطقياً نشوء علاقات طيّبة معها، كما هي الحال بين أيّ دولتين زالت حالُ العداء والحرب بينهما. واليوم، يرغب عون وفريقه السياسي في تطوير هذه العلاقات وتطبيعها تماماً، مع إعلان رفضه العودة إلى التجاوزات السابقة.

 

إذاً، في نظر القريبين من عون و»التيار الوطني الحرّ»، نهج التحالف مع «الحزب» هو الذي أثمر انتصارات سياسية. ولكن، يقول هؤلاء، «ليست المكاسبُ هي وحدها التي تدفعنا إلى التزام هذا النهج، بل أيضاً الاقتناعات السياسية.

 

ولذلك، نحن لن نتراجع عن هذا الالتزام أيّاً تكن الظروف الآتية. والتحالف بين رئيس الجمهورية والمقاومة هو الذي يوفّر للبنان القوة والاستقرار». ومن هنا، كان موقف عون الحازم في نيويورك، وملاقاة باسيل الميدانية له في بيروت.

 

المتابعون يقرأون باهتمام ردّ فعل «حزب الله» على مواقف عون ومبادرة باسيل إلى تنظيم الجولة الميدانية لطواقم السفراء في محيط المطار وملعب نادي «العهد» الرياضي، وزيارة الشكر والعرفان للقصر. وهذه الخطوة لها مدلولاتُها السياسية، على المديَين القريب والبعيد.

 

وثمّة اعتقاد بأنّ «الحزب» يزداد اطمئناناً إلى أنّ خطّ عون السياسي في «التيار» كما في موقع الرئاسة، يمكن أن يستمرّ بلا تغيير مع باسيل. وهذا ما يدفع «الحزب» إلى تزخيم تحالفه مع «التيار» في الاستحقاقات الآتية، بدءاً بتركيبة الحكومة العتيدة والحصص والمواقع في مؤسسات الدولة. كذلك يمكن أن يمنح باسيل رصيداً إضافياً ليكون «رأسَ السبق» في معركة الرئاسة المقبلة، كما يصفه عون ويرغب.

 

وأما مراهنة الخصوم على متغيِّرات إقليمية تقلب الطاولة في لبنان، عند موعد الاستحقاق الرئاسي المقبل، فليست مضمونة. والضغوط الأميركية والإسرائيلية المتوقّعة على إيران، والهادفة إلى تقليص نفوذها في الشرق الأوسط عموماً ليس مؤكداً أنها ستؤدي إلى تحقيق نتائج ذات شأن.

 

كما أنّ خصوصية التركيبة الطائفية والمذهبية في لبنان ربما لا تسمح بإضعاف دور «حزب الله» إلى الحدّ الذي يجعله عاجزاً عن إيصال رئيس للجمهورية من حلفائه.

 

ومن هنا، يقول البعض، يمضي عون في مدّ اليد، إلى الحدّ الأقصى، إلى «حزب الله»، طبعاً ضمن هوامش عدم استفزاز المجتمع الدولي، وهو الرئيس الماروني للجمهورية.

 

وفي الموازاة، يمضي باسيل في ترجمة هذا الخيار، ضمن هوامش عدم الاستفزاز إياها، وهو الوزير الماروني للخارجية… ولم يسبق أن ردّ وزير الخارجية على تصريح مسؤول إسرائيلي باستنفار الوزارة وسفرائها والطواقم الديبلوماسية ميدانياً، و»جرِّهم» إلى محيط الضاحية الجنوبية، ليُثْبِت لهم خُلوَّ المنطقة من صواريخ «حزب الله».

 

في أيّ حال، ليس جديداً أنّ «الحزب» يمتلك منظومة هائلة من الصواريخ. فأمينُه العام السيد حسن نصرالله لطالما هدّد بأنّ ترسانة «الحزب» الصاروخية باتت أقوى ممّا كانت في أيِّ يوم مضى، وطبعاً هي قادرة على بلوغ «حيفا وما بعد بعد حيفا». والإشكالية في تهديد نتنياهو واقعة فقط في حال كانت هناك مخازن أو مصانع لهذه الصواريخ في الضاحية ومحيط المطار أم لا.

 

ولكن، وفي أيِّ حال، باسيل لم يوفِّر الفرصة. سحب سفراءَه كأفراد فريق رياضي إلى باحة ملعب «العهد»، ورمى الكرة كأيِّ لاعب لتسجيل الهدف… والسلّة معروفٌ مكانها: بعبدا.

 

إذاً، يدرك باسيل أنّ بين الضاحية وبعبدا مرمى كرة. لكنه يدرك أيضاً أنّ كرة الرئاسة ليست خفيفةً وأنّ ملعب «العهد» ليس سهلاً!