كان واضحاً جبران باسيل في تصويبه على حزب الله واتّهامه «بتشغيل» الرّئيس نجيب ميقاتي، فأوساط التّيّار تعتبر بأنّ جلسة الحكومة الأخيرة كانت بطلب مباشر من الحزب كردّ مباشر على حركة باسيل «المريبة» بين قطر وفرنسا، وحديث مقرّبين منه عن عدم استبعاد ذهاب رئيس الوطني الحرّ إلى تبنّي ترشيح قائد الجيش جوزف عون في مرحلة لاحقة، إذا فشل في تسويق مرشح تسوية، من وجهة نظره، ويئس نهائيًّا من تسويق نفسه.
في حسابات باسيل، وحسب معلومات مؤكّدة، «إذا كان عون الكحل فإنّ فرنجية العمى» فهو يرى بأنّ فرنجيّة قادر على استقطاب شريحة واسعة من المسيحيين فور تولّيه سدّة الرّئاسة الأولى، بينما قائد الجيش الحالي فمهما كان ارتباط قاعدة التّيّار الوطنيّ بالبزّة العسكريّة قويًّا فإنّ جوزف عون لا يرتبط بذاكرة العونيين بقدر ارتباط الجنرال شامل روكز، واستطاع باسيل إقصاءه، لذلك فإنّ جوزف عون أهون الشّرّين.
في المقابل تنقل أوساط قريبة من ثنائي حركة أمل-حزب الله بأنّ التّعديل الدّستوريّ ممرّ إلزاميّ لعبور قائد الجيش طريق بعبدا، ولدى السّؤال عن سابقة انتخاب الرّئيس ميشال سليمان من دون تعديل دستوريّ تجيب الأوساط: «لدى انتخاب سليمان كان قد مضى على الشّغور الرّئاسيّ أكثر من سنتين، وبالتّالي سقطت المهل الدّستوريّة، وهذا شرط لا يتوفّر، حتّى الآن، لجوزف عون، ولا أحد يملك القدرة على تأمين نصاب الثّلثين اللّازمة لأيّ تعديل دستوريّ».
أمّا عن موقف الثّنائي فهو واضح بدعم فرنجيّة دون سواه، والمفارقة أنّ الّذي عطّل الدّعوة إلى الحوار هما ثنائي الموارنة: التّيّار-القوّات، المعنيّان الأوّلان بالاستحقاق الرّئاسيّ، حسب ادّعائهما!
لهذه الأسباب ذهب باسيل بعيداً في رفع السّقوف السّياسيّة وحتّى الطّائفيّة، وهدّد بفرض اللّامركزيّة الموسّعة بقوّة الشّارع، لشعوره بأنّ طريق بعبدا لا تتّسع سوى لسليمان فرنجيّة، وكلّ ما رمى إليه هو ابتزاز حزب الله بمعادلة مدمّرة لما تبقى من الكيان: «لا للفرنجيّة أو التّقسيم»، فهل يخضع الحزب، وهل يستغلّ الخارج «نقزة» القوى المسيحيّة؟
معلومات خاصّة بـ«اللّواء» أكّدت بأنّ حزب الله سيعتمد سياسة النّفس الطّويل مع باسيل، ولن يجاريه في مواقفه الاستفزازيّة لحرصه على بقاء العلاقة معه قائمة، ولعلمه أيضاً بأنّه لا غنى لباسيل عنه، إلّا إذا قرّر الأخير إعادة سيناريو عمّه نهاية الثّمانينات وذهب بعناده إلى انتحار سياسيّ كامل.
في السّياق يبرز تخوّف حقيقيّ من مسعى غربيّ لاستغلال مواقف باسيل وتماهي جعجع مع خطابه لخلق حالة مسيحيّة تدفع باتّجاه إحياء رغبة قديمة بالفدرلة تحت عنوان اللّامركزيّة الماليّة الموسّعة، وهذا تخوّف مشروع في ظلّ عالم مضطرب يجنح نحو تفكيك وتفتيت المكوّنات والتّحالفات.
هكذا الحال في سوريا والعراق واليمن، وإن كانت غير معلنة، وهذا ما يُعمل عليه في إيران بمحاولة استغلال المشاعر القوميّة، وهذا عينه مشروع «الشّرق الأوسط الجديد» الّذي أعلنت عنه وزيرة الخارجيّة الأميركيّة «كونداليزا رايس» إبّان عدوان تمّوز 2006.
أمام هذا الواقع المأزوم تسود عين التّينة أجواء من التّرقّب، ما قاله باسيل ليس سهلاً، إذا مضى فيه للأخير، وتتوقّع موجة تصعيد أعلى من قبل الرّئيس السّابق ميشال عون بعد عودة البطريرك الرّاعي من الأردن، لكن هناك رهان على عقلانيّة أكبر من قبل عون بأن تبقى مواقفه تحت سقف الحفاظ على الصّيغة الحاليّة.
لا شكّ بأنّ صفحة طويت وأخرى فتحت في الحياة السّياسيّة اللّبنانيّة، ومهما بلغت قدرة حزب الله على استيعاب جموح باسيل، فما بعد جلسة الحكومة ليس كما قبلها، على أمل أن يبقى الخلاف السّياسيّ تحت سقف الطّائف والميثاق الوطنيّ، لأنّ البحث عن صيغة جديدة سيقضي على ما تبقّى من الدّور المسيحيّ بسبب صراع القوى المارونيّة الّذي أنهى المارونيّة السّياسيّة بين عاميّ 1988 و1990..