Site icon IMLebanon

باسيل يحتمي بـ”العونية”… ويتحضّر لـ”الانقلاب”

 

باختصار شديد، لم يكن خطاب رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل أمام المتظاهرين المؤيّدين لرئيس الجمهورية ميشال عون، على مستوى الأزمة العميقة التي تضرب البلاد. بدا وكأنّه منفصل عن الأرض. فيه الكثير من المكابرة والإنكار للواقع. بينما الظروف تقتضي العكس تماماً.

 

جلّ ما أراده باسيل هو الاستفادة من الحالة “العونية” التي أعيد إبرازها إلى الواجهة على حساب “الباسيلية” الواقعة في حضيضها، من باب استثمار التعاطف الشعبي مع “جنرال القصر” لتلميع صورة رئيس “التيار” بعد التهشيم الممنهج الذي تعرّضت له.

 

هكذا، لم يتردّد باسيل في تسلّق موجة الحراك العوني المتماهي مع رئيس الجمهورية، لردّ الاعتبار لموقعه وشخصه بعد “إسقاطه” معنوياً في الشارع، وفي خضمّ الحرب القاسية التي يواجهها من جانب “شريك التسوية الرئاسية”، رئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري.

 

بالأمس، انضم “التيار الوطني الحر” إلى حلبة صراع “الشوارع السياسية” التي أطلقت أولى جولاتها مع تقديم الحريري رأس حكومته على طبق البركان الشعبي. سارع رئيس “تيار المستقبل” إلى استنهاض جمهوره واستنفاره “محاور قادته” على امتداد رقعة نفوذه شمالاً وجنوباً وبقاعاً، من باب قطع الطريق على أي محاولة لإقصائه من حقبة ما بعد “17 تشرين”. قبله كانت “القوات” و”الكتائب” في قلب “الحراك”، تؤجج الانتفاضة الشعبية من خلال رفدها بخزّانيْها الحزبيين وتوسيع حدودها.

 

وبعدما هدأت النفوس قليلاً، ورفعت “العوائق” من على الطرقات، استدعى “التيار” شارعه للوقوف على طريق بعبدا، في مشهد يعود بالذاكرة إلى تواريخ عدّة استعرض خلالها العونيون عضلاتهم التحشيدية، سواء قبيل 13 تشرين الأول في العامين 2015 و2016 أو احتفاء بانتخاب عون رئيساً للجمهورية.

 

وعلى هامش مشهدية بعبدا، يمكن تسجيل رزمة ملاحظات تركها خطاب باسيل، وهي على الشكل الآتي:

 

– أولاً، حرص باسيل على التماهي مع الحراك الشعبي من دون التعارض معه مؤكداً “أنّنا أعطينا نفسنا فرصة لـ 31 تشرين! سبقنا الناس وبدأوا، ونحن هنا لا لنناقضه أو نواجهه، بل بالعكس لنكمل سوياً فيه”.

 

– ثانياً، في المقابل بدا وكأنه يستعين بأدوات خطابية تعود إلى مرحلة ما قبل محطة 17 تشرين المفصلية، ولو أنّ الأخيرة كرست واقعاً انقلابياً لا يمكن تجاوزه، حيث بيّنت مزاجاً عاماً رافضاً لكل أدبيات الطبقة السياسية “الممجوجة” و”المستهلكة” بعدما أثبتت فشلها.

 

وحدها ثلاثية “السرية، الحصانة، الاسترداد” صارت شعار المرحلة المقبلة مع تبني خريطة الطريق التي وضعها رئيس الجمهورية القائمة على أساس “إنشاء مجلس شيوخ تكون لديه الصلاحيات الكيانية والميثاقية، وتطبيق اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة، والبدء بقانون موحد للأحوال الشخصية للانتقال تدريجياً للدولة المدنية”.

 

– ثالثاً، محاولة باسيل إبراز الجانب السياسي في حملة الاستهداف التي تعرّض لها من خلال إشارته إلى الثمن الذي دفعه جرّاء خياره السياسي، معتبراً أنّ “فخرنا أننا قلنا إن وحدتنا الوطنية هي أهم من العالم كله، وأن ثلث شعبنا ليس إرهابياً، وأننا لن نقبل بأن نعزل أي مكون منا لكي لا ينفجر وطننا من الداخل…”.

 

– رابعاً، إشارتان اثنتان طبعتا خطاب الـ1500 كلمة، تكادان تختصران الفحوى السياسي للرسالة الموجّهة، تضمنتهما جملة جاء فيها: “أمام الكرامة لا تهم المناصب. نحن كرامتنا هي آدميتنا. انتم لا تقبلون ولا نحن نقبل ان تنتهي الثورة ببقاء الفاسدين ورحيل الأوادم”.

 

ويتبيّن من الجزء الأول للعبارة أنّ باسيل يمهّد الطريق أمام تنحيه من الحكومة، وهي مسألة لا تزال غير محسومة اطلاقاً، وفق العونيين، مشيرين إلى أن رئيس “التيار” بدأ منذ أيام التلميح أمام أعضاء “تكتل لبنان القوي” إلى أنّه لا يمانع أن يكون خارج الحكومة العتيدة في حال فرضت الظروف ذلك، ولكنه لم يقطع الطريق أبداً على السيناريو المعاكس.

 

أما الجزء الثاني فيتصل بإشارة باسيل إلى بقاء الفاسدين والمقصود بهم، وفق العونيين، رئيس الحكومة حيث لا يتردد رئيس “التيار” في توجيه انتقادات علنية بحق الحريري خلال اجتماعاته المغلقة، وذلك ردّاً على الفيتو الذي يرفعه رئيس الأخير بحق عودة باسيل إلى مقاعد الوزارة.

 

– خامساً، بدا لافتاً كلام باسيل عن الخيانة والخوف في صفوف “جيل عون”. يذكر أنّ مستشارة رئيس الجمهورية السيدة ميراي عون نشرت صورة تجمعها بزوجها روي الهاشم مشاركيْن في تظاهرة بعبدا بينما اكتفت رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة السيدة كلودين عون بالتغريد “بحبكن كلكن يعني كلكن”.

 

عملياً، يعكس الخطاب حالة انسداد الأفق الحكومي: الحريري يرفض ابرام اتفاق كامل قبل تكليفه ملمّحاً إلى أنّه مستعد للذهاب إلى المعارضة، وهو المدرك أنّ قوى الثامن من آذار لا تملك ترف تأليف حكومة من لون واحد في هذا الظرف المالي الدقيق، وسيقف ضدّها كل من “المستقبل” و”الاشتراكي” و”القوات” و”ثوار 17 تشرين”، في المقابل تحاول قوى الثامن من آذار اقتناص ضماناتها وكسب الوقت مسبقاً لتجنّب التدهور المالي فيما لو نام الحريري على حرير تكليفه، مع أنّ ضوابط التواقيع في جيبها وأغلبيتها النيابية هي التي تتحكم بمصير الاشتباك الحكومي.