«الموازنة لن تمر كما هي» يؤكد الوزير جبران باسيل. لكن الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري وقّعاها كما هي، وأحالاها على رئاسة الجمهورية كما هي، ولم يعد ينقصها سوى توقيع رئيس الجمهورية ميشال عون لتنشر في الجريدة الرسمية، وتبدأ بالتالي مفاعيلها التي تراهن الحكومة أنها ستكون الخطوة الأولى على طريق الهروب من الغرق. ذلك اعتبار على أهميته، لا يبدو ضاغطاً بالنسبة لتكتل «لبنان القوي». يعود الموقف الحاد الرافض للموازنة إلى ورود عبارة في نهاية المادة 80 منها، تتحدث عن حفظ حق الناجحين في مباريات مجلس الخدمة المدنية. وهي أضيفت من قبل لجنة المال والموازنة النيابية، بناءً على طلب أغلبية النواب.
الثقة العونية المفرطة بأن هذه العبارة لن تمر مرتبطة أولاً وأخيراً بواقع أن القانون صار في عهدة رئاسة الجمهورية، التي تملك سلاح التوقيع الأخير. في هذه المرحلة تحديداً بدأت تطرح المخارج. لم يتبلور أي منها بعد، لكن ذلك لم يؤد إلى تأخير الموازنة بعد. إذ إن القانون وصل إلى قصر بعبدا منذ يومين، وهو يخضع للتدقيق في الإدارة القانونية. عندما ينتهي التدقيق قد يكون للرئاسة أكثر من ملاحظة، لكن الأكيد أن مسألة المادة 80 كانت الملاحظة الأولى، وحتى قبل البدء بدراستها. فقد طرحت في اللقاء الذي جمع الرئيسين عون والحريري أمس.
واحدة من الحجج المطروحة لرفض المادة هي أن مجلس النواب يعتدي على صلاحية مجلس الوزراء، لأن التوظيف هو حق للسلطة التنفيذية. ذلك قول يجد من ينقضه سريعاً: المجلس سيد نفسه، ويمكنه أن يصدر ما يشاء من القوانين الناظمة لعملية التوظيف، طالما أنها لم تعتدِ على صلاحية مجلس الوزراء بتعيين هؤلاء الموظفين. هذه الحساسية على صلاحية مجلس الوزراء لم يعبّر عنها رئيس الحكومة هذه المرة. بل على العكس. كتلة المستقبل تتمسك بهذه الفقرة. حجة أخرى يسوقها مريدو التعديل وتتعلق باعتبار أن إمرار هذه الفقرة إنما يضرب الانتظام الإداري ويخلّف مشكلة قانونية. بالنسبة لهؤلاء، حفظ حق الناجحين في التعيين، بصرف النظر عن مهلة السنتين المنصوص عليها في القانون، إنما يعني عدم قدرة الوزراء المعنيين، إذا وجدوا أن شوائب تعتري هذه المباراة أم تلك، على إجراء أي مباراة أخرى. وهو ما يمكن أن يؤدي إلى إفراغ الإدارة وضربها. في «المستقبل» استغراب لهذه المعادلة، انطلاقاً من أن غياب التوازن الطائفي ليس شائبة، وبالتالي من البديهي حفظ حق الناجحين الذين تساهم المناكفات السياسية في تأخير تعيينهم. علماً أن حفظ الحق لا يعني أن التعيين صار حكمياً.
«المستقبل» يتمسّك بحفظ حق الناجحين… والتيار يرفض «المخالفة القانونية»
النقاش في مضمون المادة يبدو متأخراً. فالصراع مرتكز حالياً على أمر واحد: هل أقرت المادة كما وردت من لجنة المال، أم تم حذف هذه الفقرة في الهيئة العامة؟ النائب سيزار أبي خليل يقول: كان واضحاً لنا بما لا يقبل الشك أن الرئيس بري قال إنها شُطبت، كاشفاً أن اتفاقاً بشأن إلغائها كان أبرم قبل الجلسة. لا يعرف أبي خليل لماذا تغيرت الآراء في الجلسة، لكنه يشير إلى أنها لو لم تحذف لكنا اعترضنا، وطلبنا التصويت بالمناداة، مستندين إلى التعهدات التي قطعت قبل الجلسة. للنائب محمد الحجار رأي آخر. هو يجزم أنها أقرت بوضوح. وهذا أمر يؤكده أكثر من نائب أيضاً. أحدهم التبس عليه الأمر في الجلسة، فذهب إلى كتّاب المحضر وتأكد من وجودها. مجريات الجلسة تقود إلى ذلك أيضاً. كل الكتل كانت مع الإبقاء على المادة كما أقرتها لجنة المال. حزب الله دافع عنها بشدة، وكذلك فعل المستقبل والاشتراكي وأمل. حتى كتلة لبنان القوي انقسمت حيالها، بين متسلّح بالصمت وبين رافض لها، خاصة أن التعديل خرج من رحم لجنة المال التي يرأسها النائب ابراهيم كنعان.
الأكيد أن التباساً وقع بشأن إقرار تلك المادة. طريقة إدارة الجلسات تسمح أحياناً بهذا الالتباس، فعبارة «صُدّق» التي يقولها بري قد تسبق استيعاب بعض النواب لما يحدث.
كيف الخروج من هذا المأزق؟ سؤال كان مدار بحث أمس في عدد من الاجتماعات. وفيما لم يتم التأكد من وجهة الحل، فإن مصادر مطلعة، عرضت ثلاثة احتمالات كانت من بين ما طرح. أولاً اعتبار ورود تلك الفقرة خطأً مادياً ينبغي تصحيحه. ثانياً إعداد اقتراح قانون معجل لتعديل هذه المادة. وثالثاً، تأجيل الأمر إلى حين إقرار قانون موازنة 2020.
بحسب ما نقل عن بري، فإن مسألة الخطأ المادي غير واردة، لأن القانون وُقّع كما أقره مجلس النواب. في المقابل، فإن الاحتمال الثاني متاح أمام أي نائب، لكن صلاحية البت به تبقى للمجلس مجتمعاً، بينما الاقتراح الثالث بحاجة لآلية طويلة ولموافقة مجلس الوزراء ثم مجلس النواب.
من ملف : ضحايا «العيش المشترك»!