إذا وجب على “التيار الوطني الحر” أن يكون “في موقع الهجوم” على الذين يعتبر أنهم “أرهقوا البلاد على مدى 30 عاماً”، كما يقول رئيسه النائب جبران باسيل، فإن جل ما يفعله صهر رئيس الجمهورية هو أنه يخوض “هجوماً تراجعياً” على طريقة “القتال التراجعي” بلغة العسكر، منذ اندلاع الأزمة الاقتصادية المالية، وانطلاق ثورة 17 تشرين التي اتهمته والعهد بأنه المسبب الأول مع سائر الطبقة السياسية، للانهيار الذي بلغه لبنان.
آخر فصول الانحدار في الموقع السياسي للفريق الذي يمثله باسيل، كما يقول بعض من يواكبون تفاصيل المداولات لتذليل العقبات من أمام تأليف الحكومة في الأشهر الماضية، أن الفريق الرئاسي يخوض القتال التراجعي منذ أن بدأ رفض ترؤس زعيم “المستقبل” سعد الحريري الحكومة، ثم اضطر للتسليم به نتيجة إصرار “حزب الله”، ثم بالإصرار على حكومة من 22 وزيراً، لكن تمسك الحريري بالـ18 وزيراً جعل الفريق الرئاسي يطلب الـ 20 وزيراً. وإزاء الحملة على تمسكه بالثلث المعطل، بقي على هذا المطلب عندما اقترح عليه حليفه “حزب الله” أن يحتسب الوزراء الشيعة مع وزراء رئيس الجمهورية بأنهم يشكلون أكثر من الثلث المعطل، فتشبث بالحصول عليه منفرداً، لأنه لا يثق بـ”الحزب” وحليفه نبيه بري، لكن القصر الرئاسي اضطر لنفي مطالبته بهذا الثلث المعطل 3 مرات نظراً إلى انزعاج “حزب الله” من ذلك.
في آخر تسريبة إعلامية قبِل الفريق الرئاسي بـ 18 وزيراً وبحصة 5 لتكتل “لبنان القوي” +1 لحزب “الطاشناق”، لكنه أصر على تسمية الرئيس عون لوزير الداخلية وعلى عدم منح الحكومة الثقة. الحريري رفض العرض. فعون كان أبلغه أنه يمثل “التيار الحر” ونوابه ويفاوض باسمه، وهذا سبب قبوله بـ 6 وزراء لرئيس الجمهورية وتكتله النيابي. أما أن يمتنع “التيار” والتكتل عن منح الثقة للحكومة، فهذا يعني حصول رئيس الجمهورية لوحده على 6 وزراء، في سابقة لم تحصل، لن يقبل الحريري تكريسها كعرف، لانعكاساتها السلبية لدى سائر الفرقاء والكتل النيابية التي سيثير ذلك حفيظتها وغضبها ضد رئيس الحكومة، وكذلك عند فريقه السياسي وعلى الصعيد الشعبي. وهذا سبب تغريدة مستشار الحريري قبل 10 أيام، عن أن الرئيس المكلف “كان واضحاً مع عون بأن للأخير أن يسمي 3 وزراء اختصاصيين غير حزبيين، إذا لم تمنح كتلة “التيار” الثقة، و3 وزراء إضافيين إذا التزمت الكتلة بالثقة”. هذا يضع باسيل و”التيار” في موقع الإصرار على الـ 5+1 كمطلب ملح يقابله الالتزام بمنح الثقة.
“القتال التراجعي” ابتكر له باسيل توصيفاً إنشائياً آخر في الورقة السياسية لتياره أمس، تحت عنوان “الصمود”، هو “التموضعات الانتقالية”. فهو يبحث عن التموضع الذي ينقذه إذ بات مرفوضاً من أميركا وروسيا ومغضوباً عليه من فرنسا، ومن الدول العربية… ومشكوكاً به في إيران. والحاجة أم الاختراع.
وإذا كان يصح القول إن تراجعات “التيار” تتم أمام حليفه القوي “حزب الله” وليس أمام الحريري، فإن النتيجة بعد نيف و4 سنوات أن عون وباسيل ينهيان العهد على خلاف مع 3 مواقع مارونية، ترمز الأولى منها إلى دور الطائفة الحاسم في الكيان هي البطريركية المارونية، الغاضبة من تسبب العهد بالمخاطر على المسيحيين وهوية الكيان. والموقعان الآخران هما ركيزتا الدولة، الأمنية والمالية، أي حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وقائد الجيش العماد جوزيف عون.