Site icon IMLebanon

من سبت إبليس إلى النازية اللبنانية

ما دام الأمن خطاً أحمر فلا بأس من سنة تداعيات أخيرة!

 

حضر «إبليس» السبت الماضي، في «أم المعارك» السياسية في لبنان: تأليف الحكومة، من باب الردّ الذي ساقه تيّار المستقبل «الأزرق» والذي ينتمي إليه الرئيس المكلف سعد الحريري، بوجه النائب جبران باسيل، الذي يترأس التيار الوطني الحر «البرتقالي» وأكبر كتلة نيابية، ومؤسسه العماد ميشال عون يقف على رأس الجمهورية، وكلا الكتلة والرئيس حضر في المشهد السياسي، بعد «التسوية الرئاسية» التي قضت بأن يكون الرئيس الحريري في سدة رئاسة مجلس الوزراء ست سنوات، هي مُـدّة ولاية رئيس الجمهورية..

 

اختلت التسوية، بعد 17 ت1 (2019)، وخرج الرئيس المكلف من السلطة، فاسحاً المجال امام حكومة اخصائيين، لا طعم لها ولا لون، بوصف النائب السابق وليد جنبلاط، هي حكومة تصريف الأعمال اليوم، والتي تحوّلت إلى ما هي عليه، بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020.

 

بقي الرئيس عون حيث هو، واشتد تحكم «البرتقالي» بمقدرات السلطة، فارتفع الصوت ايذاناً بانتهاكات دستور الطائف، الذي صيغت نصوصه، لمنع وصول شخصية، من نوع العماد عون، الذي كان رئيساً للحكومة العسكرية، بعد العام 1988، نهاية عهد الرئيس أمين الجميل، إلى سدَّة المسؤولية..

 

فرض انفجار «بور بيروت»، إذا صحت التسمية، واقعاً جديداً، قضى بعودة الحريري إلى المشهد، من باب الترشح لرئاسة مجلس الوزراء، ظناً منه ان الساعة حانت للعودة الى السراي، بعد مراجعة مخاطر الخروج من السلطة، في المناخات الإقليمية المتبدّلة، وبكل نتائجها الكارثية علی الوضع اللبناني، وانقلاب المشهد رأساً على عقب، من حياة استقرار، بنظام معيشي جيد، إلى حياة قلق، بنظام معيشي بالغ السوء، كصفارة إنذار، بانتهاء «أزمنة الرخاء اللبناني»، وموت رفاهية الشعب الذي وصفه، ذات مرّة، زياد الرحباني «بالعنيد».

 

كان الحريري الابن، يرى ان الفرصة سانحة، للإمساك بمجريات السلطة الإجرائية، بعد أشهر أو حتى سنوات من الممارسات المتجاوزة للأصول الدستورية، والتلاعب بنصوص المواد، الدستورية، وحتى القوانين، وذلك، عبر التداعيات الخطيرة لانفجار المرفأ، والانهيارات المتتالية لنسق الحياة في لبنان، بأنظمة الليبرالية «المشوهة»: من النظام المصرفي، إلى النظام النقدي، والنظام السياسي، بما في ذلك سائر الأنظمة الأمنية، والقضائية، وحتى التربوية، فضلاً عن انكشاف مخاطر نظام السوق، وتبعيته إلى الدولار وتقلباته، والنظام الإقليمي، بكل حروبه، وذنوبه، وتبدلات المعادلات فيه، تحت وطأة نظام عالمي، غير مستقر، زادته جائحة كورونا إرباكاً وخللاً، وضموراً على كل المستويات، وفي كل أوجه الحياة، من السفر، إلى العمل، والاقتصاد، وانتاج العقاقير، والنظم الاستشفائية، والعلاقات المعقدة بين دول الشمال «الصناعي» ودول الجنوب الفقيرة، التي بالكاد تتمكن من توفير مقومات العيش واستمراره..

 

بدت السلطة هدفاً، لا هدف غيره، للتيارات السياسية والحزبية، مع اشتداد حالة الفرز والاستقطاب في إقليم الشرق الأوسط المليء بالمشكلات، بأرضه الملتهبة، وبحاره التي أصبحت ساحة لتبادل الرسائل البحرية، عبر استهداف السفن الحربية والمدنية.

 

لم تعد فكرة تقاسم السلطة، هي المطلب، مع سقوط التسوية.. صارت السلطة ملعباً للمكاسرة، مَن يربَح، ومن يخسر.

 

انقسم المشهد الداخلي على استقطاب أكثر حدّة، تحالف بين أطراف الحقبة السورية، تحالف بين البرتقالي وحزب الله، ذي اللون الأصفر، وذهبت «القوات اللبنانية» تمارس المعارضة، التي يغلب عليها طابع النقد و«التميز»، والاستعداد لما بعد حقبة ميشال عون.. للحلول مكان الرئيس القوي وتياره في «المجتمع المسيحي» الذي هو فوق كل اعتبار.. (شعار القوات عندما كانت القوة المسلحة في المجتمع المسيحي)..

 

هنا، مع سيل الانهيارات الجارف، والتخلي العربي عن لبنان، والذي ازداد ألماً مع افتضاح أمر الكابتاغون المهرب في شاحنة الرمان، التي عبرت من لبنان باتجاه السعودية، والاجراء المعلن، الذي انضمت إليه دول مجلس التعاون الخليجي، والتصارع الخفي بين الولايات المتحدة وروسيا، على الدولتين المحوريتين في الشرق الأدنى، سوريا ولبنان، بدا المشهد اللبناني يتدحرج باتجاه الكارثة الكبرى..

 

أعلن باسيل، في اطلالته الإعلامية السبت الماضي عن جملة استحالات مرعبة:

 

1 – عدم تمكين الحريري من تأليف حكومة، على هواه، وان كانت تماثل المبادرة الفرنسية لكسب الدعم الاقتصادي.

 

2 – استطراداً، استحالة التعايش مع رئيس التيار الأزرق، ضمن تباعد سياسي خطير في الخيارات، التي تحدث عنها الحريري المكلف تأليف الحكومة من حاضرة الفاتيكان، بعد لقاء دام لثلاثين دقيقة مع بابا روما فرنسيس الأوّل.

 

3 – بات الاشتباك المسيحي مرعباً، مع تبادل الاتهامات بالنازية بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، امتداداً إلى بكركي، حيث جاء خطاب باسيل للبطريرك مار بطرس بشارة الراعي، محاولة لإخضاع الكنسي للسياسي، وليس إخضاع السياسي للكنسي، خصوصاً إذا كانت بكركي التي تتصرف في الحياة العامة، على أساس أن مجد لبنان أعطي لها.

 

4 – تجاوز موضوع تأليف الحكومة، دائرة البحث إلى خيارات، غير خيار الحرب الأهلية، الذي تساءل باسيل السبت عمّا إذا كان كمبيوتر مكتف، بدن يعملوا حرب أهلية من أجله!

 

من هذه الخيارات، استحالة سحب التكليف لتأليف الحكومة من يد الحريري بالوسائل المتاحة دستورياً. فلا الرجل بوارد الاعتذار، ولا الآليات الدستورية تسمح بإبعاده.. فلم يبق إلَّا خيار وحيد، حسب باسيل، وهو الاستقالة من مجلس النواب.. لكنه استدرك قائلاً: الوقت غير مناسب لانتخابات نيابية مبكرة التي لن تعالج المشاكل؟!

 

5 – ذهب باسيل إلى ما هو أبعد من المساجلة الحادة: رمى خصومه مراراً وتكراراً بالكذب، وتساءل: هلَّق شايفين القاضية عون متمردة.. وما شايفين المصرف المركزي متمرد على «التدقيق الجنائي».

 

ردّ «المستقبل» على باسيل، استخدم العبارات نفسها.. «الكذب من شيم الكذابين والمتلونين والمطاردين بعقوبات من الداخل والخارج».

 

وفي الرد أيضاً على رهان باسيل سحب الرئيس المكلف من معادلة التأليف هو رهان: إبليس على دخول الجنة..

 

بين تحديات باسيل للحريري، واقتراحاته التي لن تتعدّى «ميرنا شالوحي» (مقر قيادة التيار الوطني الحر)، وتحدّي الحريري لباسيل، أضيفت أزمة جديدة، بالغة الحدة والتحدي، ليس من نوع «اشتدي أزمة تنفرجي»، كما كان يردّد المرحوم رشيد كرامي رئيس حكومات لبنان السابق، لمرات متتالية..

 

إزدادت الفجوة السياسية، وطغت على السطح أزمة أخلاقية.. وبدا النزاع التأليفي، نزاعات متدرجة في القضاء، والمصرف المركزي والتدقيق الجنائي، وربما وصولاً إلى الأمن..

 

علام الرهان؟

 

البعض يراهن على عنصر الوقت، لتقطيع الأزمة.

 

والبعض الآخر يراهن على التقارب الإقليمي، لا سيما العربي- الإيراني.

 

والبعض الآخر على دور دولي، يفرض معادلة جديدة في البلاد، اقترح النائب ايلي الفرزلي ان تكون عبر تعليق الدستور، ومرحلة انتقالية يقودها الجيش اللبناني، تمهيداً لانتخابات جديدة، تعيد إنتاج السلطة..

 

من الخطاب المتشنج، إلى الخطاب اللاأخلاقي، يمضي نسق الحياة في لبنان، في الإنحلال.. لإفساح المجال أمام نسق جديد، يكون أكثر قدرة على محاكاة متغيرات ما بعد 17 ت1، التي يصفها البعض «بالثورة»، والبعض بالحراك.. إلى آخر المسميات التي لا تسمن ولا تغني من جوع..

 

لم تتوسع دائرة الإشتباك الداخلي بعد: فالأمن ما زال خطاً أحمر دولياً.. أمَّا باقي العمليات فمسموح اللعب بها، مادامت الأبلسة طالت الطبقة السياسية برمتها.. بانتظار ساعة الدفن، التي لن تطول أكثر من عام أو أقل؟!