لا يقتصر الخلاف بين «التيار الوطني الحر» من جهة و«القوات اللبنانية» والحزب التقدمي الاشتراكي من جهة أخرى على الحصص الوزارية في الحكومة المقبلة، بل إنّ وعاءه يتّسع لملفات أُخرى يتصدّرها ملف النازحين السوريين الذي تتجاذبه حساباتٌ متضاربة ونيّاتٌ مضمرة، داخلياً وخارجياً.
يرتاب «التيار» في طريقة تعاطي «القوات» و«الاشتراكي» مع قضية النازحين من بداياتها حتى الآن، ويصل وسواسُه السياسي الى حدّ الشبهة في وجود نوع من التورّط أو التواطؤ الرامي الى إبقاء النازحين السوريين في لبنان، تحت شعارات مختلفة، إما انطلاقاً من رهانات داخلية أو استجابة لرغبات دولية، بينما اصبحت الظروف العملانية على الارض مؤاتية لعودتهم المتدرّجة الى المناطق الآمنة التي تخضع لسيطرة الدولة السورية.
وفي المقابل، يشعر كل من «القوات» و»الاشتراكي» بأنّ «التيار» يقارب الملفّ الحسّاس من زاوية شعبوية وانفعالية، ويتلاعب بالعواطف والحقائق على حساب المعالجة الموضوعية، وصولاً الى وضع لبنان في مواجهة المجتمع الدولي كما حصل عبر الإجراءات العقابية التي اتّخذتها وزارة الخارجية ضد مفوضية اللاجئين، في حين تحتاج الدولة الى التعاون مع هذا المجتمع للتخفيف من اعباء النازحين وتحقيق عودتهم الطوعية بعد تأمين الضمانات الضرورية.
وتعتبر أوساط مواكبة لهذا الملف أنه بات واضحاً وجود اصطفاف أو فرز داخلي حاد في شأن قضية النازحين بين فريق يتمهّل في تشجيعهم على العودة لأنّ شروطها ليست ناضجة كلها بعد وهو يضمّ تيار «المستقبل» و«الحزب التقدمي» و«القوات»، وفريق آخر باشر في اتّخاذ تدابير عملية لتسهيل عودة مَن يشاء وهو يضمّ «التيار» الذي شكل لجنة مركزية لهذا الغرض تنشط في الوسط المسيحي، و«حزب الله» الذي كلّف النائب السابق نوار الساحلي الإشراف على هذا الملف وطلب من النازحين التواصل مع مراكز الحزب في المناطق اللبنانية لتسجيل اسماء الراغبين في العودة طوعاً الى وطنهم، ما استفزّ خصومه الذين يعتبرون انه يستكمل بهذا الإجراء مصادرة ادوار الدولة والحلول مكانها، وهذا ما ينفيه الحزب كلياً على قاعدة أنّ الآلية المتّبعة انما تعتمد على التنسيق مع جهاز الامن العام الذي أبدى تقديره لهذه المبادرة وتجاوبه معها.
ويأتي تناغم «التيار» و«الحزب» في التعامل مع ملف النازحين ترجمة لما كان قد اتّفق عليه كل من الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسسن نصرالله وباسيل في اللقاء الاخير الذي جمعهما، حيث تفاهما على ضرورة تغيير نمط مقاربته والانتقال الى مرحلة جديدة، حتى ولو أدّى ذلك الى استفزاز جهات دولية أو محلية.
وفي سياق متصل، تعتبر اوساط «التيار» انّ الخلاف حول السياسة الرسمية التي ينبغي اعتمادُها حيال النازحين تعود الى بدايات الحرب السورية عام 2011، «حيث بدأ الحزب التقدمي الاشتراكي منذ ذلك الحين بالوقوف ضدنا في مجلس الوزراء حين كنا نحذّر من تداعيات انفلاش النزوح وانفلاته، وعندما عارضنا الدخول العشوائي للنازحين الى لبنان كانوا هم يضغطون للسماح بتدفّقهم وفتح الأبواب امامهم بلا ضوابط ما تسبّب في تراكم الأزمة حتى وصلت الى هذا الحدّ المتعاظم، وعندما بدأنا نطالب بعودتهم بعد تقلّص رقعة الحرب بادر «الحزب التقدمي» ومعه «القوات» ضمناً الى عرقلة هذا المسار بذرائع شتى».
وتؤكد «الاوساط البرتقالية» انّ موقف «القوات» شبيه في العمق بموقف وليد جنبلاط، «وهما منسجمان في الأدوار والحسابات حيال هذه القضية، وإن كانت نيات معراب مستترة في جانب منها».
وفي سياق متصل، يُنقل عن باسيل قوله انّ هجوم جنبلاط الأخير عليه ومطالبته اياه بأن يهتم فقط بأمور وزارة الخارجية، نابع في جوهره من معرفة جنبلاط بأنه لم يعد في مقدوره أن يؤدّي في عهد الرئيس ميشال عون دور «بيضة القبان»، كما كان يفعل سابقاً، بل تحوّل رقماً عادياً، لا يؤهّله لترجيح كفة على أُخرى في الميزان اللبناني أو للتحكّم بمسار الأمور وفق مصالحه.
ويعتبر باسيل انّ جنبلاط دعاه الى التركيز على وزارة الخارجية حصراً وعدم التعاطي بالاقتصاد «لأنه لا يريد لنا أن نهتمّ بالشراكة في الجبل وبعودة النازحين التي تريح الاقتصاد اللبناني وتخفّف عنه جزءاً من الأعباء التي تثقل كاهله وتنهك اللبنانيين».
أما جنبلاط، فنصح الرفاق بـ»عدم الخوض في سجالات مع هذه المجموعة العبثية وبأن يتركوها تغرق في غيّها وحقدها»، لكنّ الأوان كان قد فات بعدما استخدم الطرفان في الردود المتبادلة كل انواع الهجاء، وصولاً الى الاستعانة بالحيوانات والحشرات، ليكون بذلك مفعول لقاء بعبدا الأخير بين عون وجنبلاط قد ذهب أدراج الرياح.