Site icon IMLebanon

جبران باسيل: لماذا يكرهونني؟

من الصعب الوقوع على من هو أكثر اجتهاداً من الوزير جبران باسيل. القريبون منه يؤكدون أن محركاته التوربينية لا تعرف إلى الهدوء سبيلاً. في مقابلاته التلفزيونية، قلما يُسمع صوته خالياً من «البحّة» التي تشي بأن نهاره كان سلسلة ماراتونية من الاجتماعات الصاخبة.

من التعسّف نسب نجاحات باسيل إلى مصاهرته الرئيس ميشال عون. هو كان مناضلاً في صفوف الحالة العونية منذ أيام الجامعة الأميركية في بيروت مطلع التسعينيات. في المقابل، لا يمكن استبعاد مساهمة هذه المصاهرة في تعزيز مكانته عند عون، ولكن من الصعب التحقق بطبيعة الحال من مقدار الإضافة التي شكلتها هذه «المكانة» إلى الاجتهاد ليصل باسيل إلى ما هو عليه في السلّم التنظيمي لـ «التيار الوطني الحر».

المثير أن باسيل لا يمل من صناعة الكارهين له. شيء ما يحوّله إلى مغناطيس عملاق يجتذب إليه الحاسدين والماقتين الذين يعترف جزء مهم منهم بأنهم لا يملكون أسباباً واضحة لمقته. يقولون إن الكيمياء في قسمات وجهه غليظة، وهو يقع بالتأكيد تحت خط الفقر في ما يتعلق بالافتقار إلى الكاريزما.

في مكان آخر، لا يبدو باسيل أنه تقدم فعلاً في العمر خلال الأعوام العشرة الماضية من الحضور على الساحة السياسية اللبنانية (وكأنه بحاجة إلى عامل آخر ليثير حفيظة الحاسدين!). المعضلة أن عدم تقدمه في العمر يترافق مع قفز في المراتب السياسية والحكومية، وهو قفز يبدو أنه يصدر عن جدارة بسبب أدائه في وزاراته بشهادة بعض خصومه. يشكل العمر في الشرق معياراً أساسياً لجدارة الاحترام والموقع، واهتداء باسيل إلى إكسير الشباب الدائم هو تحد للطبيعة الشرقية التي تعودّت التلازم بين التجاعيد والشيب من جهة واستحقاق المواقع من جهة أخرى. لا يخضع لقانون التجاعيد هذا النائب النابت كشوكة في قلبه البتروني بطرس حرب الذي لا يكف عن إحالة بعض تجاعيده الكثيرة على التقاعد.

يلاحظ أن حالة البغض الأنتي ـ باسيلية عابرة للاصطفافات السياسية ولا يُستثنى منها تقريبا إلا «حزب الله». لكن اكتساب محبة الحزب ليس إنجازاً مهماً بحكم تموضع الحزب في الحياة السياسية اللبنانية كجمعية للإحسان والعطاء المجاني. حسناً، هو ليس مجانياً تماماً.

إذا كان قانون العداء للنجاح مثبتاً علمياً، فإن الاستسلام له كمقاربة تفسيرية وحيدة لن يكون إيجابياً لناحية محاولة الخلاص من لازمة عدم الاستلطاف التي يقابله بها الكثيرون. وتنبغي الإشارة حتماً إلى أن مرحلة تحوّل الثورات إلى النظام غالباً ما تخلّف ضحايا وتبعث على جرعات من الدراما والتراجيديا التي تحكي قصص الطهارة والعفة الثورية إبان الرعيل الأول. مأسسة «التيار الوطني الحر» ليست استثناءً. اضطلع باسيل بمهمة المأسسة هذه، وترأسها لاحقاً، وخلّفت تفاصيلها ضحايا انتشروا على صفحات الجرائد والمواقع الإلكترونية وشاشات التلفزة. في مكان ما، هناك أشخاص ينجحون في أيقنة ذواتهم النضالية بأسطورية لا مثيل لها، لكنهم يفتقرون بشدة الى الخصائص التي تؤهلهم لإنجاز طلاق هادئ مع لحظاتهم الثورية الأولى كمقدمة للانتظام في عالم ما بعد الثورة. في حالة «التيار الوطني الحر»، وفد الكثير من المناضلين المُستَحِقين إلى مرحلة المغانم التي تتسع لعدد محدد من المقاعد. عنى ذلك أن على البعض الجلوس على مقاعد الاحتياط فالبقاء للأقوى، وبالأحرى البقاء للأقرب كما يردد بعض الضحايا في مجالسهم.