بقيت حالة الاحراج الاستثنائية التي تسببت بها مواقف وزير الخارجية رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، حول «حق اسرائيل في الوجود والعيش بأمان»، مستترة، لاعتبارات بعضها يتعلق بمنحه «شفاعة» تخفف من وطأة الموقف، انسجاما مع عمق التحالف القائم بين «التيار» و«حزب الله»، وان كان الاستياء والغضب الذي ارتسم بقي داخل الصالونات المغلقة، فمعاليه دق بالمحرمات، وسجل سابقة في ملف استراتيجي تتمحور حوله كل صراعات المنطقة، في الشكل والتوقيت.
يعرف المتابعون ان ما قاله الوزير باسيل، شكل مفاجأة من العيار الثقيل لدى حلفائه الذين اُثقِلوا بوقع الصدمة، وما زاد من ثقلها ان مسؤولين كباراً في الكيان الاسرائيلي، تلقفوا الموقف وراحوا «يُهَلِّلون»، لرأس الديبلوماسية اللبنانية على قوله…«لاسرائيل الحق في ان تعيش بسلام»، وفق ما جاء في تغريدة لاحد اركان الكيان الاسرائيلي «الحالم» بـاتفاقية 17 ايار مع لبنان… بحلة جديدة، فـ «الصدمة الباسيلية، بتوقيتها وعبر اثير «قناة المقاومة»، «خدشت» شبكة الحلفاء والاصدقاء للتيار الوطني الحر، من دون ان تصدِّعَها، فكان من الطبيعي ان يلتزم «حزب الله» الهدوء والصمت على ما يمكن ان يعتبره «هفوة» غير مرغوب بها، وان بحجم الاعتراف بحق الكيان الاسرائيلي في الوجود والعيش بأمان، وهو موقف يُحَرَّم البوح بها، حتى على اطراف سياسية قد تكون تورطت في سنوات الحرب اللبنانية في علاقات مع الاحتلال الاسرائيلي، وبخاصة خلال فترة غزو لبنان ووصول الدبابات الاسرائيلية الى قلب العاصمة بيروت صيف العام 1982.
ربما الوزير باسيل لم يشعر بحجم الاضرار التي يمكن ان تتسبب به مواقفه «القومية» ! بـ «التي بدا فيها وكأنه يُلغي تاريخا طويلا من الصراع العربي ـ الاسرائيلي، بعد الترحيب الاسرائيلي بكلامه الذي اعتُبر اشارة يُبنى عليها، سيما انه الشخصية اللبنانية الاولى في السلطة، ومنذ «اتفاق 17 أيار» المُذل الذي وُقِّع بين لبنان والكيان الاسرائيلي عام 1983، تحت ضغط الدبابات الاسرائيلية المنتشرة في شوارع بيروت، تجاهر في مقابلة تلفزيونية، في «حق الاسرائيليين في دولة تعيش بأمان»، ولو على ارض فلسطينة، فلبنان، وفق ما قال باسيل، «مش رافض تكون اسرائيل موجودة، ومن حقها ان تعيش بأمان، ونحن نريد لكل الشعوب ان تعيش بأمان ومعترفة ببعضها البعض، نحن بدنا الآخر على اختلافنا معه»، وامام هذا الكلام، هل يكفي ان يقول «ان لبنان كسر اسرائيل لانه قاوم، واذا وصلنا ان ندق بقدسية القدس ما يبقى من مسيحيتنا واسلامنا؟».
وبحسب قراءة اوساط متابعة، فان الواقعة السياسية المدوِّية التي تمثلت بمقابلة مع وزير الخارجية اجرتها قناة «الميادين»… الصديقة لـ «حزب الله، والتي تخوض اليوم معركة اعلامية من اجل القدس، كان يمكن محاصرتها، فيما لو تنبه الوزير باسيل للدلالات والمعاني التي تحملها المقابلة، سيما الموقف من وجود اسرائيل والعيش في المنطقة بأمان، حيث اكدت معلومات ان المقابلة مسجلة، وان الصحافية التي اجرت المقابلة شعرت انها تحمل في فيلمها سبقا اعلاميا، من شأنه ان يُحدث هزة سياسية ستصل بالتأكيد الى «حزب الله»، والقناة التي تدقق عادة في كل مادة تبثها، لم تشعر انها مضطرة الى تنبيه باسيل لخطورة ما قاله، لكن ما سلكته القضية اكد ان الصفحة ستُطوى من دون اي مفاعيل او انعكاسات او تداعيات على المستوى الحكومي وعلى مستوى التحالف بين «التيار الوطني الحر» و«حزب الله»، انطلاقا من ان هناك الكثير مما يشفع لباسيل، بعد التحرك الديبلوماسي الواسع الذي قام به في عواصم العالم، على خطي ازمة استقالة الحريري من الرياض وملف القدس في ضوء الاعتراف الاميركي بها عاصمة» للكيان الاسرائيلي، وقد نال بركة حلفائه السياسيين، ودفعت برئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الشيخ عبد الامير قبلان، للقول في القمة الروحية التي انعقدت في بكركي… «ان جبران باسيل يُمثلني».
وما يزيد من حساسية ما صدر من مواقف عن الوزير باسيل، في رأي الاوساط المتابعة، انه وزير الخارجية الذي يمثل رأس الديبلوماسية اللبنانية، والشخصية الاقرب الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ورئيس تيار مسيحي عريض يقيم حلفا مع «حزب الله»، وما التوضيح الصادر عن المكتب الاعلامي للوزير باسيل الا بناء لطلب الحلفاء والاصدقاء الذين هالهم الموقف، علما ان التوضيح لم يخفف من وطأة الكلام المسجل بالصوت والصورة، ما جعله بعيدا عن فرضية «الاصطياد بالماء العكر» وشن الحملات لاستهداف مواقفه الاخيرة في جامعة الدول العربية في ملف القدس، وفي منتديات اقليمية واخرى.
ثمة من يرى، ان في لبنان وزيراً للخارجية بموقفين، الاول يُفاخر بمقاومة اللبنانيين للاحتلال الاسرائيلي وانتصارها على العدوان الاسرائيلي، ويقف في عواصم العالم الى جانب الشعب الفلسطيني في الدفاع عن القدس، باعتبارها القضية، ثم يُعطي «الحق» لاسرائيل بالوجود والعيش بأمان!، ربما يبقى السؤال الاكثر الحاحا، الذي يُطرح على الوزير باسيل… كيف لمن قاتل بشراسة ضد القرار الاميركي بالاعتراف بالقدس عاصمة للدولة اليهودية في فلسطين؟، وفي المقابل يمنح الحق لها في العيش بأمان، فهل ما جرى مع باسيل «هفوة»؟، ام سقطة؟، ام «انزلاق» سياسي في شأن استراتيجي بحجم الاعتراف بوجود الكيان الاسرائيلي على حساب مصير الشعب الفلسطيني المنتفض؟
ما توحيه الاجواء، ان مواقف باسيل الذي سعى للتخفيف من وطأتها، ستلقى «شفاعة» حلفائه القادرين على التعامل مع «هفوة» او «شطحة» سياسية، ولو كانت من طراز استراتيجي، الا اذا كانت رسالة غير مشفرة، تلبي رغبات او «نصائح» بالتخفيف من «الطحشة العروبية» في عواصم القرار الدولي، والبحث عن مسافة تفصل بين تياره… و«حزب الله»!، يكون حينها قد مهَّد الطريق لفتح الباب… على مصير التحالف القائم بينهما.