IMLebanon

خطاب باسيل في القاهرة استعادة للإرث الماروني

خطاب باسيل في القاهرة استعادة للإرث الماروني واقتراح السفارة لمواجهة القرار الأميركي

دور الموارنة في القدس يعود إلى القرن الخامس «وكانوا من أهم الأعمدة المسيحية»

 

اقتراح باسيل بإنشاء سفارة في القدس كان طرحه على الرئيس عباس على هامش مؤتمر روما فوعده أبو مازن بتقديم عقار  للبنان في القدس الشرقية

 

إستعاد جبران باسيل، وهو يُخيّط مداخلته الصاخبة في مؤتمر وزراء الخارجية العرب، ما لذاكرة الموارنة من حضور وجداني في القدس تحديدا يعود الى مئات الأعوام. إنتقى كلماته وعبراته بدقة توازي إستثنائية المناسبة، ومن سيتوجه إليهم من وزراء، وعبرهم الى ملايين من العرب المتطلعين الى ما ستقدم عليه جامعة تعيّر بالجوفاء.

أراد أن تعكس كلماته أهمية القدس للمسيحيين، والموارنة تحديدا. إنها ليست مدينة للإسلام فحسب (عاد وكرر ذلك في قمة إسطنبول حيث أدخَل تعديلاً على البيان النهائي، بحيث أضاف البعدين المسيحي واليهودي الى المدينة).

في ذهن باسيل رمزية القدس في الوعي الماروني، على الأقل منذ القرن الخامس، عند زيارة القديستين مارانا وكيرا (الحلبيتين)، تلميذتيّ القدّيس مار مارون (سنة 445 وتحتفل الكنيسة بعيدهما في 28 شباط)، الى القدس حيث أتمّتا بها مراسيم العبادة، بعد صوم شاقّ وطويل (أسقف قورش المؤرّخ تيودوريتوس في كتاب «تاريخ أصفياء الله»). وفي ذاكرته أيضا ما كتبه المؤرّخ رينيه ريستيلهيبرRené Ristelhueber  في كتابه «التقاليد الفرنسية في لبنان» عن الوجود الماروني في القدس في القرنين الثالث عشر والرابع عشر، وما ذكره المؤرّخ المقدسي عارف العارف عن موارنة القدس عام 1320 الذين «كانوا من أهم الأعمدة المسيحيّة»، الى جانب ما خطّه المؤرّخ أرك أغوستين Arce Agustin في كتابه Maronitas Y Franciscanos En El Libano:1450-1516 (الموارنة والفرنسيسكان في لبنان: 1450 – 1516)، عن الوجود الماروني في القرن الرابع عشر وعلاقة الموارنة بالرهبنة الفرنسيسكانيّة، وحكمتهم وأمانتهم للتعليم الصحيح. كما يحوي السجل العثماني T.D. 516، أحد ﺩﻓﺎﺘﺭ ﺍﻟﺘﺤﺭﻴﺭ ﺍﻟﻌﺜﻤﺎﻨﻴّﺔ ﺍﻟﻤﺒﻜّﺭﺓ، خانتين مارونيتين، ﺒﻴﻥ مسيحيي ﺍﻟﻘﺩﺱ ﺍﻟﻤﻠﻜﻴّين، في إشارة واضحة الى الوجود الماروني في القدس. وكانت القدس وجهة المئات من موارنة لبنان ممّن فرّوا من أهوال فتنة العام 1860، بحثاً عن الأمن والاستقرار.

وتقدّر الإحصاءات الحديثة عدد الموارنة في الأراضي المقدّسة بـ 10 آلاف، منهم نحو 7500 ماروني محلّي يتوزعون وفق الآتي: 3500 في حيفا، 1800 في الجشّ، 1000 في الناصرة، 200 في عسفيا، 500 في عكّا والمكر، و500 في القدس. يضاف اليهم نحو 2500 ماروني لبناني، ممّن حضروا الى فلسطين بين العامين 1982 و2000. (مقتطفات من بحث قدّمه الشمّاس الفلسطيني الماروني مجدي أسامة هاشول، من ضيعة الجشّ في الجليل الأعلى، ليكون على ما ذكر «في خدمة الله والإنسان والحقيقة»).

إستعاد جبران باسيل كل هذا الإرث السرياني – الماروني وهذا الحضور المقدسي الوازن في الذاكرة الجماعية للموارنة والدور الريادي – النهضوي عروبيا وقوميا، فحدّد في خطابه القاهري الدينامية اللبنانية في مواجهة القرار الأميركي الإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل: إستنهاض العرب وإنعاش ذاكرتهم وقدرتهم على التصدّي لا التلقي فحسب، ليلقي من ثمّ الإقتراح –القنبلة، الإعتراف اللبناني بالقدس عاصمة لفلسطين مقرونا بالتقدم من مجلس الوزراء بإقتراح إنشاء سفارة لبنانية في القدس.

وكان باسيل قد طرح لهذه الغاية على الرئيس الفلسطيني محمود عباس على هامش مؤتمر روما، تبادل أراض بين لبنان وفلسطين. ووعد عباس بالعمل سريعا على تقديم عقار الى لبنان في القدس الشرقية.

ولئن لا يزال خطاب باسيل وإقتراحه مدار تفاعل في الأوساط السياسة والديبلوماسية، بالنظر الى ما حفل من جرأة في الطرح ووضوح في تحديد العلّة والدينامية المطلوبة للمواجهة، فإن سعي البعض الى إجتزاء سياقاته وتحويرها لم يأتِ بالنتيجة المرتجاة. إذ سارع هؤلاء الى القنص عليه من باب ذكره عيسى بدل يسوع المسيح في قوله «القدس لليهود والمسيحيين والمسلمين، ونحن أبناء إبراهيم وعيسى ومحمد»، والى إتهامه بالتنكّر للمسيح، وهو إتهام لا يستقيم. فإسم يسوع أو يشوع أو يهوشع، في اللغة العبريّة، يعني «يهوه يخلّص». هو يتألّف من كلمتين: يهوه وتعني الكائن، إذ تأتي من فعل الكينونة «هيه»، و«شع» الذي هو فعل الخلاص. في اليونانيّة، يسوع هو «إيسوس» Ἰησοῦς، ومن اللفظ اليوناني أتى إسم عيسى بالعربية، وIESVS في اللاتينيّة، الذي دام في هذه اللغة، على هذا الشكل، لعدّة قرون، ومنه أتى إسم Jesus بحسب قواعد اللغة اللاتينيّة، وفي كلّ اللغّات المشتقّة منها.

كما أن ثمة من الإكليروس نفسه من إستخدم كلمة عيسى في سياقات مختلفة. ولعلّ المطران التقي غرغوار حداد كان إستثنائيا في حديثه عن الحكمة من الفصح، وقوله «لو لم يكن الفصح لكان مضى جسد عيسى بن مريم في جنازة ودُفن وأُهيل عليه التراب، وأُهيل النسيان على الإيمان المسيحي، لأنه لا يكون إيماناً حقيقياً حينذاك، فيكون موتاً بلا قيامة»!