ماذا يريد الوزير جبران باسيل من اشتباكه مع «القوات اللبنانية»؟ وما هو الهدف من نسف الأجواء الدافئة التي أنتجها «تفاهم معراب» بين الطرفين، والتي لم تصمد لتحتفل بالذكرى السنوية الأولى لانتخاب الرئيس ميشال عون؟
في قراءة غير بعيدة عن تشخيص «القوات اللبنانية»، لهذا التوتر المدروس، أنّ باسيل افتتح فعلياً معركته الرئاسية في اتجاه قصر بعبدا، ولم يكن ممكناً أن يبدأ مسارُ الطموح الرئاسي من دون تعديل في التموضع الذي أعقب انتخابَ عون رئيساً، وهذا التعديل يمكن تلخيصه بالاسباب الآتية:
ـ أولاً، أراد باسيل إفهام «القوات اللبنانية» أنه فضّ الشراكة السياسية معها، وأنه تراجع خطوات كبيرة الى الوراء عمّا تمّ التفاهم عليه في معراب، ولم تعد «القوات» شريكة، بل أصبحت طرفاً يتم التعامل معه وفق الحاجة، التي قد لا تقتضي كسر التفاهم، لكن بالضرورة لا تحتّم استمرار قيود الشراكة، خصوصاً في ما يتعلق بالطموح الرئاسي، حيث يعرف باسيل أنه مرفوض رئاسياً لدى الدكتور سمير جعجع، وهو يتصرّف بالتالي على هذا الاساس، متملِّصاً من الشراكة، ومحاوِلاً تجاوز «الفيتو» على انتخابه رئيساً.
ـ ثانياً، الهدف الابرز من توتير العلاقة مع «القوات» هي توجيه باسيل رسالة الى «حزب الله»، بأنّ القديم ما زال على قدمه، بل ربما اكثر، وأنّ هناك هدفاً مشتركاً في تطويق «القوات» وعزلها داخل الحكومة، على طريقة دفع المستحقات مسبقاً، لنيل موافقة الحزب على سلوك «طريق القصر»، وهذا العزل يحقّق، في رأي باسيل، هدفين: إرضاء «حزب الله» وطمأنته، وانتزاع أيّ قدرة لـ«القوات» على الاعتراض على الطموح الرئاسي.
ـ ثالثاً، بمقدار ما يتوغّل باسيل في تظهير الاشتباك مع «القوات» سعياً الى مزيد من التأهيل الرئاسي، فهو في الوقت نفسه لا يريد أن تنكسر العلاقة الى درجة العودة الى ما قبل التفاهم، وذلك خشية من تقاطع «قواتي» ـ «مردي» في دائرة الشمال المسيحية يمكن أن يهدّد فوزه في الانتخابات النيابية، فيما هو يجهد لمحاولة قطع الطريق على ترشيح النائب سليمان فرنجية للرئاسة، بتقديم نفسه لـ«حزب الله» على أنه يمثل الغطاء المسيحي الاكبر القادر على تأمين الضمان لسلاح الحزب.
ووفقاً للقراءة نفسها يعتبر باسيل أنّ المسار الذي سلكه عون الى بعبدا هو نفسه النموذج المضمون، وهو ينطلق أولاً من تبنّي «حزب الله» له، على أن يتعاطى مع بقية الاطراف كأنها أجزاء غير مؤثرة في الصورة، وهو بالتالي يعود الى مرحلة ما قبل التفاهم مع «القوات»، مع تمسّكه بعلاقته المستجدّة بتيار «المستقبل»، التي يريد منها ضمان عدم اعتراض السُنّة على انتخابه، وعدم ممانعة المملكة العربية السعودية، لكن في أوّل الاولويات يبقى نيل تبنّي «حزب الله»، والاستمرار في جذب الرئيس سعد الحريري الى المشاركة في «السيبة الثلاثية» التي شكلت معادلة عهد عون منذ سنة والى الآن.
ويبقى السؤال: هل يستمرّ باسيل في التعاطي مع «القوات» وفق معادلة الاستفادة من خصومتها، وإضعاف وجودها في الحكومة؟ وهل ستدقّ ساعة استقالة وزراء «القوات»؟ ومتى؟
الأرجح أنّ باسيل الذي يعرف رفض جعجع القبول به رئيساً، بات يتوقع استقالة وزراء «القوات» في أيّ لحظة، وهو ربما يمكن أن يستفيد منها بتعزيز اوراقه لدى «حزب الله»، وبإضعاف أوراق فرنجية، لكنّ تيار «المستقبل» المُحرَج من استمراره وحيداً في التسوية سيكون اكثر المتضرّرين، ولذلك طلب الحريري من جعجع البقاء في الحكومة وعدم الاستقالة، لكنّ الوضع لا يمكن أن يبقى على ما هو عليه في ظلّ شعور «القوات» بالتطويق والعزل داخل الحكومة، فهل ستنتظر «القوات» قيام باسيل بخطوة شبيهة بلقائه وزير الخارجية السوري وليد المعلم لكي تخرج من الحكومة والتسوية؟
هل ستنتظر «القوات» قيام باسيل بخطوة شبيهة بلقائه المعلم لكي تخرج من الحكومة والتسوية؟