IMLebanon

استفزازات باسيل في كفة ورفض المناصفة في كفة

خلق الوزير جبران باسيل أخيراً جواً مضاداً في الحملة السياسية ضده، بعدما رفع وتيرة خطابه الطائفي. لكن باسيل وضع الجميع أمام خيارين: حقوق المسيحيين، أو تحقيق الإصلاحات، واثقاً من أن أي فريق سياسي لن يرضى بالإصلاحات

يشكل رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل اليوم حالة استفزاز متمادية عنوانها قانون الانتخاب. لكن الاعتراضات على أدائه ليست بنت البارحة، وخصوصاً في مقاربة أدائه، سواء داخل التيار مع حلفائه وخصومه فيه، وحالياً مع حلقة من المقربين والمستشارين في قصر بعبدا، أو في تعاطيه مع الرئيس سعد الحريري وخصومته مع الرئيس نبيه بري وحلفه مع حزب الله، وعلاقته التي يشد أحياناً خيوطها مع القوات اللبنانية أو يرخيها بحسب الظروف السياسية. إلا أن باسيل أسهم أخيراً في زيادة منسوب التوتر ضده بطريقة أدائه في قانون الانتخاب وتصويره على أنه خلاص المسيحيين كما خلص المسيح شعبه.

والمشكلة أن باسيل في تحويله معركة القانون معركة مسيحية، جرف القوى المسيحية التي يفترض أن تكون أيضاً رأس حربة في الدفاع عن قانون الانتخاب وعن رفض التمديد للمجلس النيابي. وإذا كان التباين مع الكتائب حاضراً بقوة من تشكيل الحكومة وملف الكهرباء إلى رسالة الرؤساء إلى القمة العربية، فلا يعني أن العلاقة مع «القوات» التي يفترض أن يتفاهم معها تحت سقف إعلان النيات، أفضل. فالقوات ظلت إلى اللحظة الأخيرة تدافع عن مشروع باسيل ما قبل الأخير، وتُعدّ للنزول مع التيار إلى الشارع، لتُفاجأ بأنه يحضّر مع المستقبل وحزب الله لمشروع التأهيل من دون أن يضعها في أجوائه. علماً أن باسيل كثّف «هفواته» في حق القوات، فلا تشاور معها في التعيينات الأمنية، ولا اتفق معها في انتخابات نقابة المهندسين، ولا أعطاها ما تريده في كازينو لبنان، ولا يبدي حتى الآن أي استعداد لإعطائها مقاعد في الانتخابات كما بدأ يظهر من أسماء المرشحين من جزين إلى بعبدا إلى كسروان وجبيل وغيرها. وهو، هنا، أضاف مشكلة مسيحية إلى مشكلاته السياسية، في إطار مطالبته بقانون يستعيد حصص المسيحيين، ليظهر وكأنه يريد استعادة الحصة الأكبر لتياره فقط وإلى حد مضبوط لحليفه الجديد القوات.

ما خلصت إليه النقاشات السياسية أنَّ تحقيق المناصفة الفعلية ليس «مسموحاً» بعد

لكن في المقابل هناك مقاربة أخرى لمواقف باسيل وخطبه الأخيرة.

أولاً، يجب إعادة النظر إلى ما جرى في نقاشات قوانين الانتخاب، التي يريد باسيل حصر النقاش «المسيحي» به في اللجنة الرباعية، ولا يحبذ اللجنة الوزارية التي انضمت إليها القوات والحزب التقدمي الاشتراكي. فهو قدم من موقعه الحزبي والسياسي حتى الآن جملة قوانين، منها ما هو سيئ، ومنها ما هو مقبول. لكنه على الأقل تقدم بمشاريع لخرق أزمة القوانين، فيما لم يتقدم الآخرون، ما عدا الرئيس نبيه بري، بأي قانون علني واضح، وليس مجرد عنوان عام اسمه النسبية. الانفتاح على النقاش كما يقول حزب الله يختلف عن المشروع المطروح للنقاش العلني والجدي. فإذا كان الحزب يتمسك بمشروع النسبية في ست دوائر، فيلتقدم به علناً. أما الحريري الراغب في «صفر مشاكل» مع العهد، فلا يزال في إطار محاولته ركب أي موجة تبعد عنه كأس الانتخابات فلا يتقدم بأي مشروع. فيما يكتفي الحزب التقدمي الاشتراكي بالممانعة. بهذا المعنى يؤدي باسيل دوره وينفذ أجندة سياسية تتعلق بما يراه مناسباً، وهذا حق سياسي كما حق المعترضين عليه. لكنه رغم محاولته إلصاق الاقتراحات باسمه وحده، أراد دفع الآخرين إلى المكان الذي يضطرهم فيه إلى كشف أوراقهم.

ثانياً، حتى الآن، ركزت الانتقادات السياسية لباسيل في معظمها على الشحن الطائفي والاستنفار المسيحي الذي خلقه باسيل في دفاعه عن مشاريعه. وهنا تكمن المفارقة، وكأن باسيل يستحضر هذا الخطاب اليوم منفصلاً عن مرحلة سابقة. من يعرف باسيل، يعرف أن هذا خطابه السياسي القائم منذ سنوات، وهذا لا يغير علاقته القديمة مع حزب الله أو الجديدة مع المستقبل، أو طموحه إلى حشد شعبية انتخابية أو التحضير لمستقبله كمرشح لرئاسة الجمهورية. هو منذ ما قبل عام 2005 يردد هذه الشعارات إلى حد أنه قال يوماً إنه يريد تحرير جزين وأصواتها، حين كان الرئيس نبيه بري يؤثر في خيارات أبناء المنطقة. علماً أن ردّ الفعل على خطاب باسيل «المسيحي» من شخصيات مسيحية أيضاً، نابع في بعض الأحيان من موقف شخصي عدائي لشخص رئيس التيار وأدائه وصوره وتحركاته الشعبية وخياراته في انتقاء مرشحين غير مناسبين لمناصب وزارية وإدارية ونيابية وديبلوماسية، حتى يكاد بعض هذه الشخصيات تدافع عن قانون الستين وتزين حسناته لمجرد أن باسيل صار ضده بعدما تبناه في الدوحة.

ثالثاً، المشكلة في مهاجمة خطاب باسيل الطائفي، من غير «طبقة العلمانيين»، أنها انطلقت من قوى سياسية هي أصلاً تتعاطى الشأن العام من زاوية الحصص الطائفية والخطاب الطائفي. حين يهاجم الحزب الاشتراكي خطاب باسيل، وحين يذكر النائب وليد جنبلاط قبل أيام في حديثه عن قانون الانتخاب بمصالحة الجبل المسيحية ــ الدرزية، وضرورة استمرار تحصينها، ألا يصب ذلك في خانة الإيحاءات الطائفية والتلويح الدائم بوضع المسيحيين في الجبل وضرورة الحفاظ على الخصوصية الدرزية من خلال قانون الانتخاب؟ حين يجتمع حزب الله وتيار المستقبل للكلام عن الحوار السني ــــ الشيعي ألا يكون هذا الحوار طائفياً؟ أو حين يتبادل تيار المستقبل وحركة أمل الردود الطائفية من خلال التعيينات الأمنية ووزارة المال بتعيين عمداء أو نقل موظفين، هل يكون ذلك عملاً سياسياً بحتاً، لا صلة للطائفية والمذهبية به؟

رابعاً، ليست قوانين باسيل التي قدمها الأفضل للمسيحيين، لا بل إن مشروعه الأخير سيئ في ما يتعلق بالنتائج التي يمكن أن يحصدها المسيحيون. وقد يكون مشروعه ما قبل الأخير، الأفضل إلى حد ما، رغم أنه لا يحقق أفضل النتائج نسبة إلى مطلبه تحقيق المناصفة الفعلي، لأنه لا يؤمن أكثرمن 55 نائباً بدلاً من 64 نائباً. لكن ما خلصت إليه نتائج النقاشات السياسية حتى الآن، أظهر أن وصول القوى المسيحية قاطبة إلى تحقيق المناصفة الفعلية، عبر اختيار ممثليهم حقيقة وليس عدداً، ليس «مسموحاً» بعد، وأن المناصفة الفعلية لا تزال حلماً، وأن تطبيق الطائف كما حصل في خلال الوجود السوري لا يزال قائماً. فالحريري، وإن هادن باسيل والعهد، في شأن صفقات وترتيبات سياسية واقتصادية ونفطية، يريد الحفاظ على ما اكتسبه تياره في السنوات الماضية (أكثر من 10 نواب مسيحيين). وإلا فما معنى أن يبعد أشد المعتدلين المسيحيين في قوى 14 آذار منذ عام 2009، ومن دون الحاجة إلى التذكير بمن رحلوا ومن بقوا يعاندون تغييب 14 آذار المعتدلة لمصلحة صفقات رئاسية تارة تأتي بالنائب سليمان فرنجية، وتارة بالرئيس ميشال عون بمعزل عن حلفائه، ولا يقدم اسماً مسيحياً من 14 آذار في أي حكومة، لمصلحة من يوالي الحريري مباشرة؟

ولا يشذ الرئيس بري عن المطالبة بحصته المسيحية تحت عنوان العيش المشترك والحفاظ على التنوع (وإن كانت حصته النيابية الحالية تقتصر على نائب واحد، فيما حصته السياسية والإدارية محفوظة)، وكذلك حزب الله الذي وإن لم يطالب بحصة مسيحية صافية له، إلا أنه يريد أيضاً قانوناً يحافظ فيه أيضاً على حصص حلفائه من المسيحيين أيضاً.

هناك فرق شاسع بين الـ 64 نائباً الذين يحق للمسيحيين بهم، وبين الذي يحصلون عليهم حقيقة، وهناك فرق بين القوانين المطروحة حالياً آنياً وكأنها مكتوبة فقط لأربع سنوات، وبين القوانين الفعلية التي يرتجى منها تحقيق ما هو مطلوب من أي قانون انتخابي جيد. وهناك أيضاً فرق بين الخطاب الطائفي والحملة عليه من قوى سياسية طائفية. هذا الفارق يكمن في تحقيق إصلاحات الطائف. وباسيل الذي يبالغ في الاستفزازات وحصد النقمة عليه، وضع الجميع أمام خيارين: إما الحصول على الحقوق المسيحية، وإما إصلاحات الطائف ومجلس شيوخ ومجلس نواب خارج القيد الطائفي مع 108 نواب.