لم تنته التفاعلات حول زيارة السفير السعودي وليد البخاري الى البياضة وجلوسه الى يمين النائب جبران باسيل، حتى قفز الى الواجهة مشهد جديد تمثل بزيارته اللافتة ذات الدلالات البعيدة المدى، الى منزل النائب ابراهيم عازار المقرب من رئيس مجلس النواب نبيه بري، خصوصا ان الزيارة كسرت حاجز الخصومة الانتخابية الماضية بين “التيار الوطني الحر” وعائلة عازار، وحيث كانت جزين أبرز مساحات المواجهة بين حركة “أمل” والتيار.
وتقول مصادر متابعة للزيارة، ان الدلالة الأبرز ان باسيل دخل جزين هذه المرة من بوابة عازار بطي صفحة نزاع طويل بينهما، في رسالة الى حزب “القوات” الذي تمكن في الانتخابات الماضية من كسر احتكار التيار في الساحة الجزينينة، فحققت “القوات” حينذاك مفاجأة انتخابية بإيصال النائبين غادة أيوب وسعيد الأسمر، مقابل انتكاسة كبيرة للتيار بعد سنوات من الربح “النظيف” في جزين.
زيارة جزين مفارقة بحد ذاتها، تقول المصادر، ويجدر التوقف عندها واعتبارها لافتة في التوقيت والمضامين، فالتساؤلات قائمة عن امكان قيام تحالف مستقبلي بين عازار و “الوطني الحر”، في مواجهة “القوات” وشخصيات جزينية. والسؤال عن موقف رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية من الخطوة وهو من حلفاء عازار، فيما لا يزال باسيل يضع “فيتو” على ترشيحه.
من دون شك، فان خطوة باسيل الجزينية لها حسابات في السياسة والانتخابات، بحسب المصادر، حيث تركت اصداء وانتقادات في صفوف الرعيل العوني القديم، فالنائب السابق زياد أسود استرجع في مواقف سابقة كلاما مسيئا لرئيس التيار عن البيوت السياسية في جزين، الا ان الزيارة وعلى الرغم من الانتقاد حملت رسائل موجهة، علما انها ليست معزولة عن التواصل والتنسيق الجاري منذ فترة بين “التيار الوطني الحر” وحركة “أمل”. ومن المعروف ان هناك تحالفا دائما بين الرئيس نبيه بري وعائلة عازار في الاستحقاقات الانتخابية، حيث كان التيار تاريخيا يخوض انتخابات قاسية بمواجهة اللائحة المدعومة من “الثنائي الشيعي”، التي تضم النائب سمير عازار وصولا الى النائب الحالي ابراهيم عازار.
من هنا، تضيف المصادر انه ليس أمرا عاديا ان يزور باسيل دارة آل عازار، كما لم يكن عابرا ان يقفل بري وباسيل مؤخرا دفاتر خلافاتهما الكثيرة والعميقة، للتنسيق في انتخابات نقابة المهندسين والتصويت للمرشح المدعوم من التيار، فالعلاقة التي عادت اليها الحياة بعد طول نزاعات، تعتبر نقلة نوعية بعد فترة من التوترات، وفي لحظة سياسية مفصلية على أبواب الدخول في استحقاقات سياسية مؤثرة، بدءا من حسم الملف الرئاسي الى التعاطي مع الملفات الساخنة المتعلقة بالتمديد للبلديات ومشاركة التيار في الجلسات التشريعية، خصوصا ان علاقة عين التينة مع “القوات” لم تعد كما كانت في الماضي، مما يؤشر الى تغيرات قد تحصل في المستقبل.
وتتحدث المصادر عن تنظيم جديد للعلاقة يقوم راهنا على تحييد الخلافات والتشجنات، مع ابقاء مسافة معينة للمناورة من ضمن حفاظ كل فريق على خصوصيته ومبادئه وتمايزه السياسي، فباسيل لا يمكن ان يسقط بسرعة مواقفه من حرب غزة وجبهة الجنوب، كما ان بري في المحور الداعم لوحدة الساحات، إلا ان هذا التمايز لن يؤثر كما تقول المصادر، في “ستاتيكو” التهدئة وفض التوترات، فهناك قفزة نوعية وجديدة في العلاقة ويمكن الجزم ان باسيل أرسى علاقة مختلفة تماما عن الماضي مع أقسى وألد خصومه السياسيبن في عين التينة، حيث لم تتفع محاولات تدخل حزب الله في الماضي في إنعاش العلاقة وتجميلها.
إلا ان تأكيد مسألة التحالف الكبير في المستقبل ليس محسوما، على حد قول المصادر، فالتمايزات كثيرة والأمر يخضع للتوازنات والحسابات الشخصية والسياسية للطرفين، فرئيس “التيار الوطني الحر” لا يمكن ان يسير بخلاف الرأي المسيحي الرافض لفتح جبهة الجنوب ووحدة الساحات، فيما “أمل” منضوية بالقتال على الشريط الحدودي، وصار لها عدد كبير من الشهداء.
هذا الوضع يقود الى الاستنتاج ان التحالف المستقبلي بين “التيارالوطني الحر” و “أمل” سيكون مبنيا على معايير معينة، لكن المؤكد ان التحالف قطع أشواطا مهمة قد تمتد في المستقبل الى استحقاقات أخرى مهمة، اما الاستحقاق الرئاسي فيبقى عقدة العقد، لان باسيل لم يسقط بعد تحفظاته عن فرنجية، فيما “الثنائي الشيعي” متمسك بترشيحه، مما يجعل التفاهم على الرئاسة أمرا صعبا.