Site icon IMLebanon

البترون عطشى: “بدنا ميّ”

 

سدّا المسيلحة وبلعا “بَلَعا” المال والمياه

 

نبت الشعرُ على لسان “اليونيسف” وهي تعدّ الدراسات الواقعية محذّرة من أزمة مياه فادحة في لبنان وخطر فقدان إمكانية الحصول على المياه عموماً والمياه الصالحة للشرب خصوصاً في لبنان. سمعنا. أصبنا برهة بالذعر. وأكملنا طريقنا نحفر بالصخر سبل البقاء. أما الدولة فصماء بكماء عمياء. مناطق كثيرة في لبنان تصرخ: “بدنا ميّ”. وها هو الـ “موس” قد وصل الى قضاء البترون الذي يشتهي ناسه نقطة المياه. نسمع ونقلب الصفحة؟ لا، البترون تريد أن تحاسب.

 

ناشطون في البترون يستعدون للعصيان. لكن، كيف؟ حالهم كما حال جميع اللبنانيين في كل مكان مع فارق أنهم “بالإسم” القضاء الذي استلم فيها من هو منها وزارة الطاقة والمياه في لبنان طوال 12 عاماً والعام الثالث عشر جرار. “ما خلوه” يشتغل؟ ما هذه الهرطقة السهلة التي يُنسب إليها كل التخاذل الطويل المتمادي. البترون تعاني اليوم من ندرة المياه التي قبل من فيها أن تأتي ثلاث ساعات، مرتين في الأسبوع، لكن، منذ ثلاثة أسابيع إنقطعت ملياً عن وسط البترون وساحله. الدكتور عصام خليفة صرخ باسم جميع البترونيين “بدنا ميّ”. واستتبع الصرخة بسؤال: “لماذا ألغوا مصلحة البترون ودمجوها ضمن مصلحة مياه لبنان الشمالي؟ ما هذه المركزية المقيتة؟”.

الدولة “مقصرة”. واللامركزية أصبحت حاجة اليوم. فلنسمع صرخة الدكتورعصام خليفة “المياه عصب الحياة لا يمكن العبث فيها. نحن نسدد كل ما علينا من أجل ان يعطونا المياه 24 ساعة على 24. قبلنا بالذل. قبلنا بالتقنين القاسي أما ان تتوقف المياه عن الضخ الى بلاد البترون “بالمرّة” فهذا كثير كثير. فلتتحرك بلديات البترون. فليتحرك الناشطون في البترون. ممنوع ان يظلوا يتذرعون بعدم وجود المازوت وكأن الأمر واقع يفترض القبول به. أمران هما الأهم في حياة الإنسان قبل الطعام: المياه والهواء. فلتتحرك البلديات في سبيل البحث سريعاً عن حلول. فليتحرك المسؤولون إذا كانوا بالفعل مسؤولين وإلا فليستقيلوا “ويفلّوا على بيوتن”. الدولة مفلسة؟ فهمنا لكن لا ولن نفهم أن يتركونا لكارثة هائلة ولتهديد بيولوجي لحياة الناس. إنها إبادة جماعية تمارس بحق الناس. إقرأوا النصوص الدولية تفهمون اننا نعيش حرب إبادة تمارسها الدولة من خلال مؤسساتها بحق شعبها. إنها تعرقل مسار حياتهم. البترون هي من رفعت أول علم لبناني، علم لبنان الكبير، في ساحاتها في العام 1919. البطريرك الياس بطرس الحويك هو قائد لبنان الكبير. إنه من لعب الدور القيادي في عملية إستقلال لبنان وميلاد دولة لبنان الكبير عام 1920. فهل يجوز أن يموت ناس البترون “على نقطة المياه”؟

 

فشلان

 

نسمع صرخة عصام خليفة الخارجة من القلب. نسمع كل أنين البترونيين من خلال تلك الصرخة. اسعار المواد الغذائية زادت 1850 في المئة. كلفة النقل والانتقال زادت 1100 في المئة. 83 في المئة من اللبنانيين تحت خط الفقر. فهل على هؤلاء الإذعان أيضاً للواقع المذري في اللادولة والبقاء بلا مياه. هذا كثير. والبترون لن تسكت. هي أعطت الدولة 24 ساعة. فإما تعيد المياه ولو المقننة إليها أو العصيان. البترونيون “بدن” يشربوا.

 

سدان فاشلان في البترون. سد بلعا وسد المسيلحة. الأول كلفنا أكثر من 50 مليون دولار والثاني كلفنا 74 مليون دولار. والمنطقة جرداً ووسطاً وساحلاً جرداء “منشفة”. إبن تنورين الخبير في الجبولوجيا والمياه الجوفية نافذ حرب شكّل قبل 11 عاماً جمعية “حماية الثروة المائية” في منطقة تنورين راقب كثيراً أعمال التأسيس نظرياً ثم الأعمال الواقعية التي جرت في السدين و”نبت على لسانه” هو ايضاً الشعر وهو يقول ويردد ويكرر: أنهما غير صالحين. لكن، على من يقرأ الخبراء مزاميرهم؟ وزارة الطاقة والمياه أدرى. هكذا ظنناها. مرّت الأعوام. عقد تقريباً. ملايين الدولارات التي أرهقت الخزينة وها هي المنطقة تحت نير العطش الهائل. نافذ حرب بدا غير نافذ عند وزارة الطاقة والمياه التي لم تجب على الكتب التي أرسلها. فكيف يقرأ الواقع المتأزم الحالي؟

 

هناك سدان في القضاء وكلاهما لا يعملان. جيولوجياً غير صالحين للعمل. سد المسيلحة مثلاً لم يأخذ في الحسبان المردود الإجتماعي والإقتصادي في إنشائه في منطقة ساحلية محاذية للبحر. سد بلعا موجود أيضاً في منطقة جيولوجية غير صالحة. هناك فالق جيولوجي يبعد 50 متراً وتوجد تكسرات جيولوجية في الموقع. ويستطرد حرب بالقول: غريبٌ أمرهم. إنهم يريدون سدّ البوالع والتكسرات بالإسمنت. إنهم مثل من يضع المياه بالسلة”.

 

البترون ترفض أن ترى أهلها يشتهون نقطة المياه. وأكثر ما يوجع “البترونيين” أن لا أحد من أهلها، المحسوبين على خانتها، ممن يُمسكون بزمام الطاقة والمياه لديهم رؤية لحاجاتها أو يعملون بالفعل على إدارة الأزمة. هذا ليس كل شيء فهناك آبار كثيرة في البترون، على أعماق متفاوتة، لكن لا مازوت لتعمل. البترون عطشى من ثلاثة أسابيع وفي كل مرة يراجع من فيها أحد المسؤولين يسمع نفس السيمفونية: لا مازوت لضخّ المياه وهناك قطع غيار غير صالحة. ما هذا العذر الذي هو أقبح من ذنوبهم. مستشار وزير الطاقة والمياه خالد نخلة هو من البلدة البترونية جران العطشى. هو أحد المهتمين بتوزيع المازوت في المنطقة لكن ليس لمحطات الضخّ.

 

إبن مدينة البترون المحامي منير سالم، الساكن في البيت الملقب أبيض، يحكي ويُسهب عن أزمة المياه في القضاء التي جاوز عمرها الأسابيع لكن لا أحد يجيب على كل المراجعات ويقول “آخر همهم همومنا. لا دولة تهتم ولا أحزاب ولا مجتمع مدني والبلديات لا تلعب دورها. والسدود التي أقيمت هنا هي مجرد هدر مالي. لا توجد قوّة في الدنيا ممكن أن تقفل بالوعاً كونته الطبيعة منذ عشرة آلاف عام. والمسيلحة يريدون صبّ أرضها بالباطون لأنها متكسرة. فهل هناك باطون مسلح قادر على أن يسدّ جيولوجيا متكسرة؟ مشروع المسيلحة هو إستثماري. إشتروا الأراضي بتراب الفلوس من أصحابها الأصيلين ثم باعوها إستملاكات الى الدولة وقطعوا الأشجار وأقاموا المقالع”.

 

الخطأ الأكبر الذي اقترف كان إلغاء مصلحة مياه البترون لصالح مؤسسة مياه الشمال. هذا ما يكرره المعنيون في المنطقة. فهم يسددون كل ما عليهم من فواتير لكن عند أي تقنين يكونون أول من يدفعون الثمن. وحين يراجعون يقولون لهم لا مال لشراء المازوت للقيام بأعمال الضخّ. هنا يتحدث الناشط في المنطقة نبيل يوسف قائلاً: “صحيح ان مشكلة المياه هي مشكلة لبنان ككل، فلا مازوت ولا قطع غيار والموظفون “حراميي” يعملون هم أيضاً على سرقة المازوت.نحن نحتاج الى 120 مليون ليرة في الاسبوع ليضخّ المولد المياه، وهناك كلام ان الامر لا يحتاج الى كل ذلك. هناك مشكلة ايضاً أن السلطات المحلية المولجة بأمرنا لا تستحق ان تكون”.

 

المازوت المشكلة والحلّ

 

واضحٌ يوسف في ما قال. البلد قائم على فساد. هم راجعوا المعنيين في موضوع المياه فأتاهم الجواب أن الكهرباء لا تأتي، ومصلحة المياه تحولت الى محطة كهرباء، أي أن مولدها الكهربائي يعمل 24 ساعة على 24، وهو يحتاج الى فلتر وزيت وتغيير قطع. عملية تصليحه سهلة لكن لا مال في دائرة البترون لذلك. والمشكلة الأخرى أن المولد يحتاج الى 8000 ليتر مازوت أسبوعياً بكلفة 120 مليون ليرة أسبوعياً، اي ما يعادل 500 مليون ليرة في الشهر. اليونيسف كانت تساهم بسداد هذا المبلغ لكن، مع نهاية السنة، تبلغت دائرة المياه أن الأموال ستتوافر من المنظمة بدءاً من السنة المقبلة. يعني مشكلة كلفة المازوت قد تُحلّ مع بداية السنة المقبلة. أما تغيير القطع والصيانة فحديث آخر.

 

تتذكرون الدواب والحمير؟ الدكتور عصام خليفة تذكرها كثيراً اليوم “فزمان كان الأهالي يذهبون الى العين ويأتون بأربعة جرار مياه يضعون إثنتين منها لجهة يمين الدابة وإثنتين لجهة يسار الدابة”. البترون في اختصار تترحم على أيام الدواب.

 

هنا، في خضم الحديث عن الدواب، يتذكر بتروني كلام ريمون إده عن “بلاد الدابة” قائلاً: “إما أن نكون كذلك أو نكون أسوداً”. البترونيون قرروا أن يرفعوا الصوت مطالبين بحقوقهم مذكرين من نسي “كل شيء” إلا الحديث قبيل الإنتخابات عن أهمية دائرة الشمال الثالثة التي تضم أقضية البترون بشري الكورة وزغرتا أن ما يستثمر اليوم في البترون سيرتدّ على أصحابه غداً. فلنرَ.