يُعتبر قضاءُ البترون من الأقضية ذات الثقل الإنتخابي في دائرة الشمال الثالثة، ويشكّل مع بشرّي والكورة وزغرتا دائرةً واحدة ستتنافس فيها القوى المسيحيةُ الأساسية.
تتّخذ المعركة طابعاً أكثرَ شراسة في قضاء البترون الممثل بنائبين مارونيَّين، ويحوي على نحو 60 ألف ناخب يتوزعون كالآتي: 3600 صوت سنّي، 1000 شيعي، و55400 ألف مسيحي غالبيتهم الساحقة موارنة، وهذا العدد الكبير من الناخبين سيعزّز نسبَ تقدّم أيّ لائحة في الدائرة خصوصاً إذا مالت الأصوات في هذا الإتجاه أو ذاك.
في إنتخابات 2009 الأخيرة صوّت نحو 33 ألف ناخب، وقد نالت لائحة «14 آذار» المؤلّفة من النائبَين بطرس حرب وانطوان زهرا نحو 17600 صوت معدّلاً وسطياً، في وقت نالت لائحة «التيار الوطني الحرّ» التي تألّفت من الوزير جبران باسيل والدكتور فايق يونس نحو 13600 صوت.
خريطةٌ تبدّلت
عوامل عدّة دخلت على الخط ولعلّ أبرزها تحالف «القوات» و«التيار»، وخروج زهرا من المنافسة، وتبدّل خريطة التحالفات على مستوى الوطن.
وبما أنّ المعركة ليست على النظام الأكثري، فإنّ الجميع سيتمثل، لكنّ التنافس سيكون على الصوت التفضيلي، فيما التحالفات ستتغيّر.
فعندما أُقرّ القانون النسبي كان الحديث يدور عن لائحتين، الأولى تتشكّل من باسيل ومرشح «القوات» فادي سعد. أما الثانية فتضمّ حرب والنائب الكتائبي سامر سعادة.
لكنّ حسابات القوى السياسية تغيّرت، خصوصاً أنّ إحدى اللوائح لا تستطيع حصدَ مئة في المئة من الأصوات والمقاعد، وبالتالي لا يناسب أيّ فريق أن يخوض المعركة ليكون جسرَ عبور للمرشح الحليف، وبالتالي فإنّ ما كان يصحّ في النظام الأكثري من أنه توجد 3 قوى رئيسية في البترون هي «القوات» و«التيار الوطني الحر» وحرب، وإذا تحالفت إثنتان خسرت الثالثة لم يعد ينطبق على الواقع في ظلّ النسبية الكاملة.
ويواجه الناخب البتروني أزمة حسم خياره، ففي السابق كان أيُّ حزبيٍّ ينتخب مرشحَه من ثمّ يعطي الصوت الثاني إما لحليفه أو لإحدى الشخصيات المستقلّة التي تقدّم الخدمات، أما الآن، فإنّ العوني سيعطي تيّاره، و»القواتي» والكتائبي سيصوّت كلٌّ لمرشحِه، ما يُضعف الشخصيات المستقلّة التي كانت تحصد أصواتاً من الأحزاب لأنّ التشطيبَ ممنوع.
الاتصال بالدائرة
ولا يمكن فصلُ التحالفات في البترون عن الدائرة الإنتخابية ككل، وفي حين تضع «القوات» و»التيار» كلَّ الخيارات أمامهما من التحالف إلى الترشح بلوائح منفردة، فإنّ تحالفَ حرب والكتائب وخوضهما الإنتخابات على اللائحة نفسها ليس أكيداً. وبالتالي، فإننا قد نكون أمام 4 لوائح في هذه الدائرة، أي لائحة لـ»القوات» وحلفائها، لائحة لـ»التيار الوطني الحرّ»، لائحة حرب وبعض المستقلّين و»المردة»، ولائحة للكتائب وبعض وجوه المجتمع المدني.
ترشح النائب سامر سعادة عام 2009 في طرابلس، وهو يطمح للعودة الى المقعد البتروني التاريخي الذي كان يشغله رئيسُ حزب الكتائب الراحل جورج سعادة، وبالتالي فقد عاد الى تجميع صفوفه منطلقاً من الإرث الذي خلّفه والده، ويؤكد الكتائبيون أنهم ينطلقون من 3 آلاف صوت «بلوكاً» إنتخابياً بترونياً، و»عندما يصبح لدينا مرشح في البترون سيرتفع هذا العدد حكماً، لذلك لن نضحّي بهذا الرصيد من أجل تأمين فوز مرشّح آخر، ونحن مصرّون على أن نتمثّل في البترون».
وفي الإحصاءات التي تجريها الماكيناتُ الإنتخابية، تشير الأرقام الى تقدّم حرب على الكتائب في الصوت التفضيلي، وبالتالي فإنّ رفعَ نسبة اللائحة التي يشارك فيها حرب بالاتكال على أصوات الكتائب سيساهم في إراحته في المعركة، وهو الذي يعبّر في لقاءاته عن إرتياحه الى وضعه الشعبي، وقد ظهر هذا الإطمئنان في الإحتفال الذي أقامه منذ مدّة مطلِقاً حركة «أصدقاء بطرس حرب» برئاسة نجله، وقد رأى البعض في هذه الخطوة بدايةً لتوريثه، في حين يؤكّد البعض الآخر أنها خطوة عادية لا يمكن إعطاؤها أكبر من حجمها، خصوصاً أنّ حرب يُعتبر «برلمانياً عتيقاً» ويؤمن باللعبة الديموقراطية ويرفض منطقَ الوراثة السياسية، كما أنّ تنورين التي يوجد فيها آلاف الشهادات الجامعية لا يمكنها السير بعد الآن بمنطق التوريث البدائي.
مرشّحون محتمَلون
الى ذلك، تُعتبر «القوات اللبنانية» أكثرَ مرونة، وهي تبدي إنفتاحاً على كل الخيارات، ولا تريد أن تغلق الباب أمامها، خصوصاً أنّ النظام النسبي قد سمح لها بالتحرّر، ولم تعد تضع في أولويّتها التحالف مع أيّ شخص كان، خصوصاً أنّ الدكتور سمير جعجع قال سابقاً إنّ «القوات في البترون هي قاطرة وليست مقطورة»، لذلك تنصرف الآن الى ترتيب بيتها البتروني الداخلي، وتحاول أن تجمع لمرشحِها أصواتاً تفضيلية لتتفوّق على حرب وباسيل وتضمن فوزه، في حين أنّ فتحَ الإحتمالات على مصراعيها قد يجعلها تخوض الإنتخابات بمفردها، وتختار مرشحاً آخر ليخوض المعركة الى جانب مرشحها سعد.
من جهته، يبدو باسيل هو الآخر مرتاحاً الى وضعه في البترون، وهو، وإن كان يتمتع بأصوات تفضيلية في قضائه، إلّا أنه يتطلّع الى هندسة لائحة ومدّ تحالفات في الكورة وبشري وزغرتا، علماً أنّ «التيار» يعاني نقصاً في الحضور في قضاءَي بشري وزغرتا، لكن يدور حديث عن تحالف «التيار» مع «المستقبل» وبعض المستقلين في حال لم يتحالف مع «القوات».
تنتظر أسماء مرشحة في البترون الوقتَ المناسب لإعلان خوضها المعركة، مع العلم أنّ هناك نزاعاً كبيراً على الصوت السنّي بعد فكّ التحالف بين حرب و«المستقبل»، كذلك، فإنّ الشيعة سيواجهون خياراً صعباً في حال تحالف «التيار» و«القوات»، لذلك، فإنّ الأسابيع والأشهر المقبلة ستكشف مزيداً من المسائل المستورة.