باتت الأرقام تتكلّم في أقسى معركة شهدتها دائرة الشمال الثالثة عموماً وقضاء البترون خصوصاً والذي تعوّد على المعارك الإنتخابية الصاخبة.
33519 مقترعاً بترونياً صوّتوا للوائح وصلت إلى الحاصل في حين أن هناك أصواتاً قليلة ذهبت إلى لوائح لم تبلغ الحاصل إضافةً إلى بعض الأوراق البيضاء والملغاة، وبذلك تكون البترون قد سجّلت نسبة اقتراع من الأعلى في لبنان نظراً إلى حماوة المعركة.
وفي قراءة للنتائج، فقدّ حلّ مرشح «القوات» الإعلامي غياث يزبك في المرتبة الأولى وبتفوّق، ونال 11094 صوتاً وتراجع رئيس «التيار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل إلى المرتبة الثانية وحصل على 8922 صوتاً، أي أنه تراجع أكثر من 3000 صوت عن الدورة الماضية، وحلّ المرشّح مجد حرب المدعوم من حزب «الكتائب» وحركة «الإستقلال» في المرتبة الثالثة بحصوله على 7076 صوتاً، في حين أن لائحة «شمالنا» حصلت على رقم مميّز بنيل المرشح ربيع الشاعر 1955 صوتاً وليال بو موسى 2058 صوتاً، وحصل مرشح «المردة» جوزف نجم على 1908 أصوات، بينما نال كل من المرشح على لائحة «التيار» وليد حرب 324 صوتاً فقط، والمرشحة على لائحة «القوات» ليال نعمة 129 صوتاً، والمرشحة على لائحة مجد حرب، جويل الحويك، 53 صوتاً.
من يراقب مدى الإمكانات التي سُخّرت لباسيل على مدى السنوات الماضية كان يظن أنه سيجتاح القضاء الذي يُمثّل مسقط رأسه، لكن الحقيقة كانت مرّة جداً، إذ إنه وسط الجدال على من هي الكتلة الأكبر مسيحياً أو من نال التصويت الأكبر على الساحة المسيحية، فإن الأرقام تتكلّم عن نفسها في البترون، إذ إن يزبك تفوّق على باسيل بـ2182 صوتاً في عقر داره، ولم تنفعه الإستعانة بمرشحين كما قال في مهرجان 13 أيار، ليرفعوا أرقامه.
عندما إختارت «القوات» ترشيح يزبك سرت الشائعات في قضاء البترون أن الحزب لا يريد مقعد البترون بل يفضّل الفوز بمقعد الكورة الذي كان يشغله النائب السابق فادي كرم، كذلك فإن «القوات» تراجعت في البترون بعد اختيارها يزبك، المرشّح الضعيف، كما وصفوه. لكن الحقيقة كانت مغايرة، إذ إن يزبك عمل بصمت تام وركّز على الإحتكاك المباشر مع الناس والقيام بلقاءات تعارف، إن كان في بلدته الأم تنورين أو في كل قرى القضاء، فأتت النتيجة كالصاعقة على باسيل، لأن الأرقام وضعت باسيل ثانياً، فقد ربح مقعداً وخسر الصدارة. وعلى رغم وصول باسيل إلى الندوة البرلمانية إلا أن فداحة الأرقام تُظهر حقيقة وضعه، فعلى سبيل المثال، ماذا ستكون ردّة فعل رئيس الحزب «التقدمي الإشتراكي» وليد جنبلاط لو أن الوزير السابق وئام وهاب تفوّق عليه في الشوف بأكثر من 2000 صوت على رغم صبّ أصواته التفضيلية على مقعد درزي واحد وليس المقعدين، وماذا ستكون ردّة فعل «القوات» لو تفوّق عليها أحد المرشحين الذي يخوض الإنتخابات في بشري لأول مرّة بألفي صوت، وماذا ستكون ردّة فعل الرئيس نبيه برّي لو تفوّق عليه شخصياً أحد مرشحي الحراك في مسقط رأسه الزهراني بألفي صوت؟
من هنا، فإن التراجع الدراماتيكي واضح لباسيل في البترون، في حين أنّ التراجع الأهم هو للقوى المسيحية الحليفة لـ»حزب الله»، فمجموع البترونيين الذين صوّتوا للوائح «التيار» و»المردة» بلغ 11154 صوتاً، في حين حصدت لوائح «القوات» ومجد حرب و»شمالنا» 22365 صوتاً، ما يدل على أن أكثر من ثلثي مقترعي البترون منحوا ثقتهم للخطّ السيادي في وجه من يدعم مشروع «الدويلة».
وقدّ ثبّت مجد حرب قاعدته الشعبية بحصوله على 7065 صوتاً، وعلى رغم عدم وصوله إلى المجلس، إلا أن أصواته ساهمت بشكل مباشر في وصول النائب المنتخب أديب عبد المسيح في الكورة والذي ينتمي إلى الخط السيادي، وبالتالي فإن تلك الأصوات أعطت مفعولاً إيجابياً حيث ساهمت في قلب المشهد النيابي في الكورة والذي كان لصالح قوى «الممانعة» في الإنتخابات الماضية بحصولهم على ثلاثة نواب.
ضربت «القوات» ويزبك ضربتهما في البترون، وحجّما العونيين، وبتفوّق يزبك الذي يخوض الإنتخابات للمرّة الأولى على باسيل أثبت يزبك أنه «مش قليل» وأن البترون هي أولوية الأولويات بالنسبة لـ»القوات»، في حين أنّ اللوائح المعارضة الأخرى ساهمت في قلب المشهد في الكورة وزغرتا، والأهم يبقى وصول السياديين واسترجاع البلد من «المأجورين» الذين أوصلوه إلى جهنم ولا تهمهم إلا مصالحهم الخاصة ويجهلون طبيعة البترون السيادية، وأن الناس لا يسيرون بالترهيب والترغيب ولا يمنحون أصواتهم لمن غشّهم ولا يقيم أي اعتبار للسيادة.