Site icon IMLebanon

لماذا لفلفة قضيّة الطعم المزوّر في مستشفى البترون؟

 

أن “تتلفلف” قضيّة وتُطوى وكأن شيئاً لم يكن فهذه جريمة. وأن يتحوّل الجرم الى وجهة نظر من معنيين في الشأن العام فهذا جرم آخر! هناك، في مدينة البترون الجميلة، قبحٌ أخذ مداه وتمثل بلفلفة جريمة تحت حجة أن أدواتها مجرد حقنة “ميّ وملح” والملح والمياه لا يؤذيان! فهل انتهى جرم ضخّ اللقاح المزيف في مستشفى البترون عند هذه النقطة؟ ومن هو “الوالي” الذي يقف وراء لفلفة جريمة موصوفة تسقط فيها، لو جرت في غير لبنان، رؤوس كبيرة؟

 

جلس ناشطون بترونيون وانطلقت أسئلتهم مشحونة بكثير من الغضب: لماذا لفلفة جريمة إعطاء لقاح المياه والملح بدل فايزر في مستشفى البترون؟ وأين أصبح الجناة؟ وأين إدارة المستشفى من كل ما حصل؟ وأين النيابة العامة؟ وأين وزارة الصحة؟ واين وأين…؟؟ اسئلة كثيرة دارت تكرر فيها وصف من يعبث بالملف “بالوالي”! فهل في البترون “ولاة”؟ هل هناك من يُقرر ويُنفذ ويمنع ويحجب ويقفل الملفات ويضع النقاط الحمر حين يشاء؟

 

99 في المئة من الفاعليات البترونية التي كانت حاضرة هي “مع تشكيل قوة ضاغطة من أجل الحثّ على متابعة القضية” لكن ما فاجأ كثيرين هو وقوف بعض من كانوا يدعون “نصرة العدالة” الى جانب طيّ هذا الملف. والسبب؟ هم تابعون. فهل “ضبضبة” القضية تكفي لإزالة الجرم؟

 

حسابات خاصة

 

“لا، لن نقبل بطيّ هذه القضية”. هذا ما جزم به شارل خوري (قريب الدكتور جورج طنوس الذي اتهمته من اقترفت الجرم سيلين زكريا بتقاضي المال لقاء مساعدتها قبل أن تعود وتتراجع). والحلّ؟ يجيب خوري “ما استخلصناه هو أن هناك إما متورطين أو من يغضون الطرف من أجل حسابات خاصة أو من تعرضوا الى ضغوطات ما كي لا يتقدموا بدعاوى. لذا سنقوم نحن، شباب البترون، بتحرك أمام المستشفى نطالب فيه الأجهزة الامنية والقضائية بالتحرك”.

 

شارل خوري هو من تلقى إتصالاً من محامي المتهمة ويدعى إسطفان كرم قال له فيه “إن سيلين زكريا أعطت إفادة كاذبة أن ابن عمتك (الدكتور طنوس) تقاضى منها مالاً وستتراجع عن إفادتها على أن يتراجع الطبيب عن دعواه ضدها”. يضيف خوري “حصل ذلك حين طلبنا داتا الإتصالات وتابعنا الكاميرات في الساحة حيث قالت المرأة إنها دفعت الى الدكتور طنوس ثلاث مرات فتأكدنا من كذبها، فتراجعت عن أقوالها عند كاتب العدل. حينها تراجع الدكتور طنوس أيضاً عن الدعوى الشخصية التي قدمها ضدها لكن بقي حق النيابة العامة بأن تتحرك”.

 

الكافيتريا خارج المستشفى

 

النيابة العامة لم تتحرك. مدير مستشفى البترون الدكتور أيوب مخباط لم يتقدم بأي دعوى، لا بل أكثر من كل ذلك، حين راجعه أحد أطباء المستشفى في الموضوع أجاب: حصل ما حصل خارج المستشفى، في الكافيتريا، ولا علاقة لنا بما يحصل فيها. وحين سُئل عن كيفية حصول المتهمة على العبوات الفارغة أقفل الخط.

 

الدكتور عارف ضاهر، أحد الأعمدة سابقاً في المستشفى، يخشى هو أيضاً من “لفلفة” قضية الطعم المزور ويقول “هناك تقصير وغضّ نظر واضحان. ويجب عدم السماح مطلقاً بالتدخلات السياسية وتأمين غطاء لأي شخص”.

 

وكأننا ندور في حلقة مفرغة. كلهم ضدّ “اللفلفة” والجرم يكاد يصبح وراء الجميع! فهل هناك من هو أقوى منهم جميعاً؟ المتهمون حتى إشعار آخر (سيلين وشقيقها سيزار المسؤول عن المختبر ووالدتها مستثمرة الكافيتريا) أقفلوا صفحاتهم الخاصة على “السوشيل ميديا” وأخذوا الفرص السنوية. وكأن هناك من همس في آذانهم: إبتعدوا حالياً عن المستشفى الى ما بعد عيد الأضحى أو ربما أكثر بأسبوع بعده. والأيام كفيلة بجعل ما اقترفتموه يُنتسى. هكذا “تلفلف” القضايا في لبنان.

 

تتسع حلقة البترونيين الحوارية حول تطورات قضية المستشفى. ويتركز الكلام حول دور مدير المستشفى أيوب مخباط. هو كان قبل ثلاثين عاماً مديراً أيضاً لنفس المستشفى وأبعد عنه بسعي من أهالي البترون أنفسهم. هذا المستشفى هو مستشفى الدكتور إميل البيطار، الذي كان من أهم المستشفيات بمقياس ذاك الزمن، واليوم يتكرر الكلام نفسه: وجوب إبعاد مدير المستشفى إذا لم يقم بمتابعة الجرم الذي حصل. أحد البترونيين يقترح نزع صورة إميل البيطار واسمه من بهو المستشفى لأنه بلا شك حزين في قبره على ما يدور فيه. وهو قد دفن جراء كل ذلك مرتين.

 

ضغوطات لطي الصفحة

 

البترونيون، أو لنقل كثير من البترونيين، يريدون متابعة القضية الى الآخر، لكن ما لا يريدونه هو أن تستخدم القضية من أجل القضاء على مستشفى إميل بيطار الذي يشكل الرئة لسكان القضاء.

 

الناشط البتروني كمال ريشا يتذكر “يوم انتفض المجتمع المدني في المدينة في وجه الفساد في مستشفى البترون وذلك بقيادة “هيئة الطوارئ الشعبية” ويقول: يومها إنتفضنا ولاحقت السلطة الخوري طانيوس خشان وجورج واكد وآخرين وكانت مصلحة المستشفى والمريض الدافع والمحرك. واليوم، أعتقد أن الحاجة أصبحت ملحة للإنتقال من الشكوى الى التحرك العملي وأعتقد أننا من خلال مسمى تنظيمي مدني بتروني نستطيع إحداث فرق جوهري وأساسي على مستوى المنطقة”.

 

ريشا يتذكر أيام كان أيوب مخباط مدير المستشفى الحالي مديراً للمستشفى أيضاً. كثيرون غيره يتذكرون أيضاً ذلك. ويُحمّلون “المدير” مغبة طيّ ما أصاب مستشفى البترون حالياً. وهناك من يقول “تناهى الى مسمعي عن ضغوطات طاولت أشخاصاً كي “يلفلفوا” القضية، حتى قيل أن الشيخ رضا أحمد من منطقة راشكيدا في البترون تدخل أيضاً في الموضوع.

 

وكأن قضية مستشفى البترون أكبر من المكان والقضاء وبحجم لبنان وفساده.

 

نعود الى كمال ريشا الذي يدعو “المجتمع المدني للتحرك واتخاذ طبيعة الإدعاء الشخصي على من تسبب في جريمة التزوير والتقدم بإخبار للنيابة العامة”. يطالب ريشا في إختصار بعدم دفن الرأس في الرمال كما النعامة. فالموضوع كبير ويحتاج حتماً وحكماً الى تحقيق واتهام وملاحقة.

 

الكلام كثير. الخوف على مستشفى البترون كبير. وشعور يطغى بأن هناك من يلعب بالناس كما لو كانوا كرة في ملعب تنس. فمن يجرؤ أن يزوّر لقاحاً في زمن نحن في أشدّ الخوف فيه من تفشي جائحة فهو إما غبي أو مجرم أو مدعوم. وما فاجأ الأهالي أكثر من كل ذلك قول رئيس بلدية أميون أن “لا أحد تضرر فاللقاح المزور من المياه والملح” وبالتالي الموضوع “ما بيحرز”. فهل هذا معناه أن ننسى ونقلب الصفحة؟ وهل صحيح ما يتم تناقله أن من لقحوا “بالمياه والملح” في كافيتريا مستشفى البترون أخذوا من أحد فاعليات القضاء الى جامعة البلمند ولُقحوا هناك من جديد وطُلب منهم “الصمت”؟

 

صحيح أن اللقاح “ميّ وملح” ولا يؤذي لكن ماذا لو أصيب من ظنّ أنه أصبح يملك مناعة جراء اللقاح بالفيروس ومات؟ أليست هذه مسؤولية؟ وهل سأل مدير المستشفى نفسه من أين أتت من زورت اللقاح بالعبوات الفارغة؟ ماذا عن النفايات الطبية في المستشفى؟ أين تُرمى؟ وهل تعيين ثلاثة أفراد من عائلة واحدة في ثلاثة أقسام في المستشفى حصل صدفة أم أن “الوالي” أمر بتعيينهم؟ ماذا عن تقرير وزارة الصحة؟ اين أصبح؟ وهل هي الجهة المولجة بالتحقيق في جريمة موصوفة؟ وأين رئيس لجنة التطعيم في لبنان الدكتور عبد الرحمن البزري من كل ما يجري؟ وأين التفتيش المركزي الذي يفتخر رئيسه جورج عطيه بأدائه؟ وأين من تلقوا اللقاحات؟ هل يخافون؟ هل هم جبناء؟ هل حصلوا على مكاسب لاحقة ليصمتوا؟ أليس بينهم رجال ونساء قادرون على المطالبة بحقوقهم؟ غريب عجيب هو ما رأيناه في قضية البترون. والأسوأ أن جبران باسيل، رئيس التيار الوطني الحر ونائب البترون، لم يطلّ على البترونيين كي يقول: آسف لما حصل وأتبرأ مما فعلوه “زِلمي” أو على الأقل من اعتبروا “زلمي” وأنا براء منهم.

 

المحسوبيات السياسية تدخل بالطول والعرض في قضية بحاجة بالفعل الى “إصلاح وتغيير” لا الى مجرد شعارات واهية. هي قضية لا يكفي فيها أن تقول “المقترفة”: “ما بقا عيدا”. ولا يكفي أيضاً أن يقول المستشفى “لا علاقة لي بما حصل”. وأن تقول القوى الأمنية المولجة “لم يتقدم أحد ذو صفة بدعوى في الموضوع”. بلى، هناك دعوى وهناك بدل الإخبار الواحد إخبارات. والقضية ستبقى مفتوحة وفاعليات بترونية ستعلن قريباً التحرك لأن الصمت ما عاد يجدي ولا يجلب سوى مزيد من الفساد. فلننتظر ونرَ.

 

وها هو النائب فادي سعد يتقدم بإخبار في الموضوع، فلتهطل الإخبارات في جريمة موصوفة.