تعدّ محافظة الشمال من أكثر المحافظات حرماناً، خصوصاً أنّ اللامركزية الإدارية التي نصّ عليها «إتفاق الطائف» لم تطبَّق بعد، ولم يحصل الإنماء المتوازن الموعود.
عندما رسم الفرنسيون حدود المحافظات الخمس وهي: بيروت، جبل لبنان، البقاع، الجنوب والشمال، كان الوضع مغايراً تماماً لما هو عليه اليوم. لم تكن هناك كثافة سكانية، ومعاملات المواطنين كانت محدودة جداً، وقد يمرّ العمر ولا يزور مواطنٌ ما مركز محافظته، في حين أنّ معظم المعاملات الإدارية كان ينجزها مختار «الضيعة» الذي يملك مفاتيحها ويعرف أموراً أكثر عن المواطنين العاديّين.
تبدّلت الظروف وتغيّر نمطُ العيش، وباتت بيروت والضواحي والمدن الكبرى مكتظّةً بالسكان، في وقت نصّ «اتفاقُ الطائف» الذي وُقّع عام 1989 على اعتماد اللامركزية الموسّعة التي لم تطبَّق حتى الساعة.
وعلى رغم أنّ أبواب الهدر والفساد والسرقة معروفة، وأكبر مثال على ذلك كهرباء لبنان، إلّا أنه يوجد بابٌ أساس لهدر الطاقات البشرية وهو المركزية «الحديدية» التي تدخل في صلب نظامنا اللبناني.
منذ عام 1990 الى يومنا هذا، جرت محاولاتٌ عدة لإنشاء محافظاتٍ جديدة، وقد نجح المطالبون باستحداث مراسيم تطبيقية لمحافظات النبطية، بعلبك- الهرمل، عكار، وأخيراً جبيل- كسروان، لكنّ تلك المحافظات لم تكتمل بنيتُها التنظيمية بعد وخصوصاً محافظتي كسروان- جبيل وعكار، وهي تحتاج الى بعض الوقت.
وتجري محاولات عدّة لاستحداث محافظات، وربما تكون تقسيماتُ القانون الانتخابي الأخير الذي قسّم لبنان الى 15 دائرة، الصيغة الأنسب لرسم المحافظات الجديدة.
وبما أنّ استحداث المحافظات هو مطلب عام، وقد حطّ رحاله في الشمال عبر محافظة عكّار، تجري مطالبات عدّة لاستحداث محافظة البترون- الكورة- بشري- زغرتا.
وما يدعّم هذه الفكرة، هو معاناة المواطنين القاطنين في هذه الأقضية، فأهالي تنورين وجرود البترون ووسطها وبشري أو حتى جرود زغرتا يتكبّدون معاناة كبيرة لقطع المسافة والذهاب الى طرابلس، مركز محافظة الشمال، لإتمام المعاملات الضرورية واللازمة. وكل ذلك يحصل، وطرابلس تعاني من الإزدحام والخضّات الامنية المتلاحقة، ووضعُ مؤسّساتها مهترئ، كما أنها المدينة الأكبر بعد بيروت، وبالتالي يجب تخفيف الضغط عنها.
من جهة ثانية، فإنّ هذه الأقضية الأربعة تشكّل وحدةً جغرافية وبشرية متناسقة وشكّلت دائرة إنتخابية، ويمكن إعلان الكورة مركز المحافظة لأنها تتوسّط الأقضية الثلاثة الأخرى، والوصول إليها سهل، كما أنّ فروعاً من الجامعة اللبنانية أصبحت فيها، وهذا الامر لا يخفّف الضغط عن طرابلس فقط بل عن بيروت والضواحي.
وبالنسبة الى العوامل التي تسمح بإنشاء محافظة، فإنّ مساحة الأقضية الأربعة وعدد سكانها هما على الشكل الآتي:
– البترون: تبلغ مساحة القضاء نحو 287 كلم2 ويقدَّر عدد قاطنيه بنحو 52 ألف نسمة موزعين على 68 بلدة ومدينة.
– الكورة: تبلغ مساحة القضاء 173 كلم2 ويقطنه نحو 65 ألف نسمة موزعين على 50 بلدة.
– بشري: تبلغ مساحة القضاء 158 كلم2 ويقطنه نحو 40 ألف نسمة ينتشرون في أكثر من 21 بلدة.
– زغرتا: تبلغ مساحة القضاء نحو 182 كلم2 ويقطنه نحو 55 ألف نسمة، يتوزعون على أكثر من 50 بلدة.
وبالتالي يكون مجموع مساحة أقضية البترون، الكورة، بشرّي، زغرتا 800 كلم2، فيما يزيد عدد قاطنيها عن 200 ألف نسمة، في حين أنّ السكان المسجّلين في دوائر النفوس والموزعين بين المدن الرئيسة والإنتشار يزيدون عن 400 ألف نسمة، وهذه العوامل تسمح لتلك الأقضية أن تكون محافظة.
ويحتاج هذا الأمر الى تقديم مشروع قانون، وإقرار المراسيم التطبيقية، وهذا يقع على عاتق النواب العشرة الذين يمثلون تلك الأقضية وهم: فادي سعد، جبران باسيل، ستريدا جعجع، جوزف اسحاق، جورج عطالله، سليم سعادة، فايز غصن، ميشال معوض، اسطفان الدويهي، طوني فرنجية. وهم عددهم كافٍ لتقديم أيّ اقتراح قانون لإنشاء محافظة تفيد أبناء الأقضية وتزيل عن كاهلهم عبء الانتقال الى طرابلس أو بيروت، وبذلك يكون الإنجاز الأول لهم.
أما سياسياً، فإنّ الحمل الأكبر يقع على كاهل الأحزاب المسيحية التي نالت ثقة ناخبي الأقضية، أي «القوات اللبنانية»، «التيار الوطني الحرّ»، تيار «ألمردة»، فهم إذا اختلفوا في السياسة بمقدارهم الإتفاق على عناوين إنمائية يطالب فيها كل مواطن من أيِّ اتّجاهٍ سياسيٍّ كان.
لا يُنكر أحدٌ أنّ المطالبات بإنشاء هذه المحافظة هي حيوية، لذلك، على القوى السياسية والأحزاب والفعاليات التحرّك لهذا الهدف تلبيةً للرغبة الشعبية، ولعدم القول عن نواب الأقضية الأربعة إنهم «قعدوا 4 سنيين وما عملوا شي».