تتميّز مدينة البترون بمكانة بارزة كونها عاصمة القضاء، ويشكل قضاء البترون علامة فارقة في الانتخابات البلدية في محافظة الشمال، خصوصاً أنّ الإستحقاق يأتي كاختبار أوّلي للتحالف العوني – القوّاتي في ساحل البترون والوسط والجرد.
يتميّز قضاء البترون الذي هو بوّابة الشمال بحضور مسيحي كاسح يقدّر بنحو 93 في المئة مع أرجحية مارونية تتخطّى الـ70 في المئة. وقد برزت بعد الـ2005 ثنائيّة النائب انطوان زهرا والوزير جبران باسيل، فشكّلا عنواناً لخصومة شديدة انعكست على المناصرين صراعات ومنافسات شرسة.
لكنّ الأمور بدأت تأخذ منحى معاكساً بعد المصالحة السياسية بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، فيما كانت سابقاً مسرحاً لمواجهات انتخابية حامية بين زهرا وباسيل وحلفائهما.
يتألف المجلس البلدي لمدينة البترون من 15 عضواً، ويبلغ عدد الناخبين المسجلين على لوائح الشطب نحو 6500 ناخب إقترع نصفهم في الإنتخابات البلدية السابقة.
ويشكّل الاغتراب نسبة كبيرة في البترون وقد يكون سبباً إضافياً لتدنّي نسبة الاقتراع، فضلاً عن تبدّل التحالفات المسيحية، فاصطفاف «القوات» والعونيين أدّى الى تقارب تلقائي بين تيار «المردة» و»حزب الكتائب اللبنانية» بسبب تخوّفهما من اختزال التحالف الجديد التمثيل المسيحي.
سطوع نجم باسيل في المدينة قابَله ضمور شخصيات سياسية تقليدية بفِعل عوامل عدة، امّا اليوم وبعد مصالحة معراب، فقد تمّ تشكيل لجنة مشتركة للتنسيق وبذل الجهود للتوافق السياسي ليتمّ الاتفاق بشكل مبدئي على السير بترشيح الرئيس الحالي مرسيلينو الحرك كشخصية توافقية، والذي ينكبّ على دراسة الوضع لتشكيل لائحة توافقية. واللافت عدم بروز منافس للحرك، الأمر الذي يجعل المعركة في المدينة شبه محسومة.
يدخل العامل العائلي كعنصر أساسي في الحسابات الانتخابية، فهناك حضور قوي للعائلات التقليدية التي تتحكّم بمفاصل اللعبة المحلية في البترون، وفي هذا المجال يقول اكثر من متابع إنّ الحسابات المحلية تطغى على العوامل السياسية، الامر الذي يعتبر عاملاً قوياً لبروز منافسة شديدة في اللحظة الاخيرة.
في المقابل، يشير البعض الى تشابك الولاءات السياسية ما قد يُضعف قدرة تحالف «القوات» و«التيار»، حيث تجد ضمن العائلة الواحدة أنّ الآباء يؤيدون حزب الكتائب وأبناءهم منتسبون لـ«القوات».
رئيس البلدية ماضٍ في ترشّحه
يؤكد رئيس البلدية مرسيلينو الحرك لـ«الجمهورية» أنه «ماضٍ في ترشيحه لرئاسة البلدية ومتأكد بنسبة 90 في المئة من حصول الإنتخابات، وسيقود مجلسه المقبل متسلحاً بإنجازات البلدية التي حققتها في السنوات الخمس الماضية، مستعيناً بطاقات أخرى ووجوه جديدة ستنضمّ الى المجلس الجديد وسيستفيد المجلس من خبراتها، الّا انه رفض الكشف عن أسماء الاعضاء الجدد»، مشدّداً على أنه «لا غنىً عن الوجه النسائي الضروري والفعّال في المجلس الجديد».
في المقابل، يقول الحرك إنه «سيعلن عن أسماء الأعضاء في أوائل أيار»، لافتاً الى انه «ليس هناك لوائح كاملة في مواجهة اللائحة التوافقية، إنما سيكون هناك لوائح غير مكتملة».
وعن التحالفات السياسية الجديدة، يلفت الحرك الى أنّ «المصالحات برّدت الاجواء كثيراً فأصبحت البترون أكثر أمناً، الأمر الذي سينعكس على العمل البلدي».
ويؤكد الحرك انّ الخلاف الذي حصل بين الافرقاء المسيحيين بسبب رئاسة الجمهورية لن ينعكس على التحركات البلدية، وهناك علاقات قديمة بين الاهالي والمجتمع البتروني على اختلاف انتمائه السياسي، موضحاً أنه في بعض قرى البترون هناك تحالفات مع جميع الافرقاء.
يشيد الحرك بحركة ابن المدينة الوزير جبران باسيل الذي «يلبّي جميع حاجات المدينة ومطالبها في مجلس الوزراء»، مؤكداً بأنه «لن يضع أيّ فيتو على أيّ اسم من اجل إنجاح العمل الانمائي».
ويصف الحرك علاقته بالنائب سليمان فرنجية بالصديق، ويُبدي رضاه عن الانجازات التي حققها لساحل البترون خلال عهده على رغم بعض الاصوات في مدينة البترون التي تنتقد تضخيم هذه الإنجازات معتبرة انّ بلدية البترون بنظرهم لم تحقق مشاريع إنمائية مقارنة ببلديات أخرى كجونيه وجبيل».
التحالفات
الى ذلك، يقول البعض انّ النقاش يدور اليوم في فلك حجم النفوذ السياسي للقوى المسيحية المختلفة، بينما يغيب الهمّ العام وظروف العيش الصعبة، وعلى رغم من انه جرى أخيراً شقّ الاوتوستراد بين الساحل والجرد البتروني وشبكة الانارة العامة على الطاقة الشمسية إلّا أنّ هذا الأمر لا يعني انّ المعالجات تسير في المسار الصحيح. وبالتالي، لا بدّ من استغلال الفرصة لوضع خطة تنمية شاملة لا أن نبحث في كيفية استغلال الاستحقاق البلدي للمنافسة السياسية فقط.
«القوات»
واستتباعاً لمسار المصالحة القواتية – العونية، شكّلت لجنة مركزية تابعة لمنسقية المنطقة تشرف على اللجان الفرعية في القضاء وتجتمع مداورة مع منسقي اللجان، وقد انتدب «التيار الوطني الحر» طوني نصر، وانتدبت «القوّات» منسقها في البترون عصام خوري.
ويشير خوري لـ«الجمهورية» الى أنهم «لمسوا تعاطفاً كبيراً من المواطنين بعد المصالحة التي تمّت في معراب، وهناك توافق ومجهود يلتزمه الفريقان ليتَرجم في مواقف أخرى، ومن ضمنها الانتخابات البلدية»، مشيراً الى انّ «البترون من أهم المناطق التي قد تتبلور فيها هذه المصالحة».
ويضيف: «اللجنة اليوم في صدد جوجلة الأسماء المطروحة، وهناك استعداد للتعاون مع جميع الكفاءات ولَو كانت من غير التيّار او القوات».
ويلفت الى أنّ «اللجان تعمل لتظهير التحالف وتفعيل العمل الانمائي»، مشيراً الى انه «اذا لم يكن هناك تجاوب من القوى الفاعلة واذا لم تؤمن بطرحنا الانمائي والوطني، بالتأكيد سيكون لنا موقف آخر، فنحن لا نبحث عن مراكز نحن نبحث عن برنامج إنمائي».
«الكتائب»
بدوره، يعتبر رئيس إقليم البترون الكتائبي أرز فدعوس أنّ «الحرك مرشحنا، ولو اختلفنا في السياسة معه، فإننا نتفق معه في الإنماء وفي طريقة عمله، ونقدّم له الدعم المطلق، ونتمنى لكل البلديات ان يكون على رأسها رئيس يشبه الحرك».
ويلفت الى أنه «يجري تركيب لوائح على أساس اصطفافات سياسية ثنائية في الوقت الذي يجب أن نستثمر وجودنا للإنماء، والمفروض أن تتألف المجالس البلدية من كل الاطراف لتسيير أمور البلد، لا أن تتألف فقط من ثنائية»، معتبراً أنه إذا نجحت الثنائية ستصمد البلدية 6 أشهر في أحسن الأحوال، ليفرط عقدها ويستلم القائمقام مهامها، بينما عمل الكتائب مميّز لأننا نفاوض على مشاريع العمل وليس على الحصة وهذا ما يحصّن المجالس».
«المردة»
من جهته، يعتبر منسق تيار «المردة» في البترون سليم نجم أنّ الحرك هو مرشحنا في البترون». ويقول لـ«الجمهورية» انه «حتى الساعة ليس هناك ما يعوق اللائحة التوافقية التي سيترأسها الحرك لأنه بكلّ بساطة لا توجد هناك لائحة مقابلة».
ويوضح نجم انّ «مرسيلينو في الاساس مرشح تيار «المردة»، والجميع يعلم بالصداقة الحميمة التي تربطه بفرنجية منذ زمن. وهذا يعني أنه مرشح توافقي. لذلك، نحن نتفادى المعارك، عندما يكون هناك تنسيق تام بيننا وبين المرشحين».
وعن عمل المجلس السابق، يقول نجم انّ «المردة» راض عنه بشكل عام إنما في جميع البلدات ومجالس البلدية هناك دوماً «لَو»، لذلك البلدية الحالية ليست عاطلة».
وعن التغييرات المحتملة، يؤكد نجم أنه «من الطبيعي ان يكون هناك تغيير لبعض الأسماء»، مفضّلاً عدم الكشف عن الاسماء لأنّ الجوهر باقٍ. وبالنسبة للمردة نعتبر أنفسنا من ضمن هذه العائلات. ولذلك، نقف على خاطر هذه العائلات التي تؤيدنا ونتطلّع الى الافضل لها ولقراها».
الحرك مع باسيل أو فرنجية؟
يقول نجم انه «وللأسف، لو استطاع باسيل أن يخلق حيثية لشخص آخر يواجه فيه مرسيلينو الحرك لما تردّد، الّا انه لم يستطع لا منذ 10 سنوات ولا منذ 4 سنوات ولا غداً»، موضحاً انّه «في سنة 2004 ترشّح الوزير باسيل شخصياً الى الانتخابات البلدية وكان آخر الراسبين، كذلك عام 2010 عندما أصبح وزيراً ولاعباً سياسياً بارزاً في «التيار الوطني الحر» وفي أمور أخرى، حاول المواجهة إلّا انه راجَع حساباته وأدرك انه لا يستطيع الفوز.
وخوفاً من أن يرسب مجدداً، اضافة الى انه كان قد رسب مرتين في النيابة، وكان من الصعب ان يرسب للمرة الثالثة مجدداً في بلدته لأنّ الأمر لن يكون سهلاً عليه، لذلك كان أهون الشَرّين على باسيل ان يقبل بالموجود، فقبل بالحرك».
ولدى سؤاله: اذا كان المرشح الحرك يعتبر اليوم مرشح المردة أم مرشح باسيل؟ يجيب نجم: انّ «المردة ستبقى مع مبدأ الجمع، الّا انها في المقابل على ثقة بأنّ الاشخاص الذين معها سيبقون معها».