ترتدي المعركة المفتوحة التي أعلنها رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون مع القوى السياسية المناوئة له تحت عنوان «التعيينات الأمنية»، طابع أزمة الحكم الخطيرة التي ستعيد خلط الأوراق السياسية على الساحة الداخلية بشكل حاسم قبيل التسوية التي باتت شبه محتومة من قبل الخارج، وإن لم تقطع الحملات القاسية الأخيرة للعماد عون، الخيط الرفيع الذي ما زال يربطه بالحكومة السلامية وبالمجلس النيابي. وفي قراءة عميقة للمعارك التي خاضها العماد عون، وللمواقف المستجدّة التي اتّخذها في الأيام الماضية، أبدت مصادر نيابية مسيحية امتعاضها الشديد لنتائج المواجهة التي قادها العماد عون ضد التمديد للقيادات الأمنية، والتي انتهت إلى نتائج أقلّ ما يقال فيها أنها محبطة لأكثر من فريق سياسي مسيحي، كون تداعياتها اقتصرت، ومن الناحية السلبية فقط، على المسيحيين في 8 و 14 آذار، وليس على باقي الأطراف في الفريقين، وإن كان بعضهم حليفاً للعماد عون وسانده في معركته. وعزت المصادر هذه النتيجة، إلى أن السقف الذي كان قد رسمه أكثر من طرف سياسي فاعل لملف التعيينات العسكرية بقي عالياً ودون تطلّعات العماد عون، علماً أن ما يريده، وقد كرّره العماد عون في إطلالته التلفزيونية الأخيرة، لا يتناقض مع كل المعادلات السياسية المعمول بها منذ اتفاق الطائف، والتي تقوم على المقايضة في المطالب بين أطراف السلطة، وذلك في سياق التسوية الضرورية التي تسمح باستمرار المعادلة السياسية الداخلية على استقرارها الحالي، بانتظار تسوية الإستحقاق الرئاسي.
من هنا، فإن رفض بعض الحلفاء قبل خصوم العماد عون لأي مطالب يرفعها وتتمحور حول الشراكة المسيحية في القرارات الكبرى، قد دفع أكثر من مرجعية مسيحية إلى الشعور بالإستياء، كما كشفت المصادر النيابية نفسها، والتي اعتبرت أن بروز بعض المواقف المتشدّدة في تسوية الترقيات العسكرية التي سقطت، هو مجرّد تغطية لهذا الرفض المتّخذ على مستويات عالية داخل فريقي 8 و 14 آذار للمطالب «العونية». وأضافت أن الحياد الإيجابي لفريق بارز على الساحة الداخلية من هذه المطالب، يؤكد وجود سيناريو خفي لتبادل الأدوار بين الحلفاء والخصوم على حدّ سواء. لكنها استدركت مؤكدة أن أي معركة خاسرة، لن يتحمّل مسؤوليتها العماد عون وحده، ذلك أن أكثر من جهة سياسية، وليس بالضرورة فقط فريق 14 آذار أو تيار «المستقبل» تحديداً، سيعمد إلى توظيف نتائج أي فشل محتمل، لكن الأصداء ستتردّد في الأوساط المسيحية، وستنعكس سلباً على واقع الطائفة عموماً. وكشفت المصادر ذاتها، عن خشية من تكرار مثل هذه التجارب على الساحة المسيحية، موضحة أنها قد شكّلت الدافع الأساسي وراء عتب الفاتيكان على القيادات المسيحية اللبنانية، بسبب الواقع الصعب الذي تعيشه نتيجة تحالفاتها السياسية التي تؤثّر بشكل كارثي على الدور السياسي للمسيحيين في لبنان والمنطقة.
وبالتالي، فقد أضافت المصادر عينها، أن العنوان الكبير المرفوع اليوم، يتمحور حول الدور المسيحي في معادلة الحكم، وذلك بغض النظر عن المواجهات التي يقودها القادة المسيحيون في أكثر من استحقاق. وأكدت أن تكتّلهم في جبهة واحدة، مع الحفاظ على التمايز السياسي، بات أمراً ضرورياً وملحّاً لتطبيق مبدأ الشراكة التي يطالب بها الجميع، خصوصاً وأن أكثر من طرف يقرّ بوجود خلل في التمثيل المسيحي في الدولة. واعتبرت أن الفرصة ما زالت متاحة رغم الظروف الصعبة، لإنتاج نواة تفاهم داخل البيت المسيحي، وهو ما أكد عليه أكثر من زائر للفاتيكان خلال الأشهر الماضية، لافتة إلى أن اختلاف الإنتماءات السياسية لا يجب أن يضيّع اتجاه المعركة المسيحية الأولى وهي استعادة الدور والشراكة من خلال الإنتخابات الرئاسية، كما الإنتخابات النيابية على السواء.