بري ومعطلو التشريع: «اللهم اشهد أني قد بلغت»
حتى «الميثاقية» صارت محل خلاف سياسي، وكل طرف يفسرها على ليلاه، هذا يعطيها المرادف الذي يحلو له، وذاك يطوّعها كما يريد، ويلبسها ساعة يشاء، وذلك يجعلها غطاءً لتمرير هدف سياسي.. وإن اعترض أحد ما أو تحفظ أو سأل أو استفسر أو لفت الانتباه، يعتبر عمله هذا رجساً من عمل الشيطان. وأما إن اقتضت مصلحة طرف ما تجاهل الميثاقية والقفز فوقها، ولسبب سياسي طبعا، فلا بأس في إغماض العين عنها وبلع اللسان عن كل ما يتصل بها، فالمصلحة كانت وستبقى فوق كل اعتبار!
واضح أن «الميثاقية»، صارت تنذر بفتح معركة «تشريع الضرورة» على شتى الاحتمالات السلبية. الرئيس نبيه بري قال كلمته ودعا الى جلسة تشريعية عامة، ويجزم بانعقادها في موعدها. في مقابل مثلث الاعتراض المسيحي: «التيار الوطني الحر» و «القوات اللبنانية» و «حزب الكتائب». ويفتح هذا التباين على الأسئلة التالية:
ـ ما هي الميثاقية، وهل ثمة من يملك تفسيرا حياديا لها في لبنان؟
ـ هل هي معركة ميثاقية أم مزايدات مسيحية؟ أم معركة استقطاب جديدة في الشارع المسيحي تحت عنوان الميثاقية؟
ـ يتسلح المعترضون بغياب النص الدستوري الذي يجيز التشريع في غياب رئيس الجمهورية، ولكن ما معنى المطالبة بإدراج قانون الانتخاب في جدول أعمال الجلسة التشريعية؟ فهل التشريع هنا يختلف عن التشريع هناك؟
ـ هل يهدد تفاقم الأزمة الحالية بنقل مستوى الاشتباك بين المكونات السياسية والروحية والطائفية، الى حالة تموضع خطير وغير مسبوق يتجاوز المعاني الميثاقية الدستورية والقانونية الى حدود المس بالتعايش الوطني والعقد الاجتماعي بين الطوائف؟
ـ هل يكفي حضور مجموعة من النواب المسيحيين لتبرير منطق الميثاقية؟ أم أن حجة الميثاقية هي «إله من تمر» نعترف به حينما نريد، ونأكله ولا نعترف به حينما نريد؟
ـ هل ما ينطبق ميثاقيا على رئاسة الحكومة وعلى رئاسة الجمهورية، لا ينطبق ميثاقيا على مجلس النواب؟
ـ لماذا كان غياب «تيار المستقبل» في لحظة معينة عن جلسة لمجلس النواب سبباً لإلغائها، ولا يكون غياب عون و «القوات» و «الكتائب» سبباً لإلغاء جلسة مقابلة؟
ـ إذا كان التباكي على الميثاقية صادقا، فلماذا لم يجد «القوات» و «الكتائب» أثراً للميثاقية في أيام حكومة فؤاد السنيورة المبتورة بعدما استقال الوزراء الشيعة، والتي حكمت وحدها وصادرت صلاحيات رئيس الجمهورية واتخذت قرارات برضى «الكتائب» و «القوات»، أدت الى ما أدت اليه من سلبيات على كل المستويات؟
ـ هل التوافق القواتي ـ العوني الحالي صادق في توجهه؟ وهل يشكل فرصة لتوحيد القبضة السياسية المسيحية، بما يمهد لاستعادة جدية وفعلية للحضور المسيحي الوازن في السلطة وداخل النظام السياسي؟ أم أنه توافق أملاه تقاطع مصالح قائم على لعبة تذاك متبادل بين الطرفين، يحاول أن يستثمر على اللحظة الحالية وعلى دغدغة الشعور الطائفي للمسيحيين، أملا بتحقيق مكاسب سياسية، في لعبة مزايدة متبادلة بين الطرفين؟ أم أنه تلاقٍ ظرفي سينفصل سريعا لحظة عودة الاستحقاق الرئاسي ليشكل الأولوية في ميدان النقاش في المرحلة المقبلة؟
ـ ماذا يعني تلاقي بري و «حزب الله» و «تيار المستقبل» ووليد جنبلاط، مضافا اليهم سليمان فرنجية و «الطاشناق» وميشال المر، على عنوان «تشريع الضرورة»؟ فهل هو تلاق ظرفي؟ وهل يمكن لهذا التلاقي أن يبقى محصورا بالجلسة أم أنه سيسيّل في السياسة، خاصة وأنه يحمل في طياته بذورا لإعادة خلط أوراق جديدة تنتج شكلا جديدا من أشكال التموضع السياسي في البلد؟
ـ ماذا عن افتراق عون و «حزب الله» على ساحة التشريع؟ هل سيقف هذا الافتراق عند هذا الحد أم ستكون له تداعيات؟
ـ الى أين سيصل عون وبري، في الاشتباكات المفتوحة بينهما؟
ـ ماذا عن عون وفرنجية، وهل هناك أزمة صامتة بينهما؟ وماذا عن التمايزات المتتالية والجريئة لرئيس تيار «المردة» عن حليفه المسيحي الأقوى. في جلسة الحوار قال «انتخاب رئيس الجمهورية اولا، وقبل قانون الانتخاب»، متمايزا بذلك عن الموقف العوني القائل بقانون الانتخابات اولا. ثم عاد وتمايز بإعلان مشاركته في الجلسة التشريعية. فإلى ماذا يمهد هذا التمايز؟
ـ ماذا عن دخول جعجع على خط الميثاقية؟ هل صحيح أنه يصب الزيت على نار الاشتباك بين بري وعون؟ وهل يحاول أن يغرف من أخطاء الآخرين ليعيد إنتاج نفسه ويجدد حلم بعبدا؟
ـ أخيرا، هل ثمة من يملك الكوابح قبل أن تفلت الأمور من عقالها؟ وهل يبادر بري في لحظة ما الى مواجهة المعترضين «وضعت أمامكم طريق الحل، وسعيت لتجنيب لبنان العجز المالي والعزل الاقتصادي، وها أنتم تقفلونه، فتحملوا التبعات.. اللهم اشهد أني قد بلغت؟».