IMLebanon

معركة فرنجيه الجدّ كانت معركة أصوات ومعركة فرنجيه الحفيد هي معركة نصاب

عندما جرت الانتخابات الرئاسية بين المرشح سليمان فرنجيه (الجد) والمرشح الياس سركيس كانت المعركة معركة أصوات. وعندما استطاع فرنجيه أن يجعل نائبي الكوري ينتقلان من تأييد سركيس الى تأييده لأسباب مناطقية أكثر منها سياسية، قرر “الحلف الثلاثي” المؤلف من شمعون والجميل وإده تأييد ترشيحه لإنه بات أوفر حظاً بالفوز أكثر من أي مرشح آخر. أما معركة الانتخابات الرئاسية اليوم فقد أصبحت معركة تأمين نصاب قبل أن تكون معركة أصوات، وقد تبين أن ترشيح النائب سليمان فرنجيه هو الذي يستطيع تأمين هذا النصاب. لكن الأقطاب الموارنة الأربعة لم يفعلوا حتى الآن ما فعله أركان “الحلف الثلاثي” في الماضي بإعلان تأييدهم للمرشح سليمان فرنجيه الجد لأنهم كانوا يريدون الفوز به على مرشح النهج الشهابي الياس سركيس الذي هو أقرب بسياسته من خط “الحلف الثلاثي”. ولم يكن وارداً لدى أي حزب أو تكتل تعطيل نصاب جلسة الانتخاب كما هو وارد اليوم لدى عدد من النواب لا لشيء سوى الخوف من أن يفوز بالرئاسة مرشح من قوى 14 آذار أو من هو مدعوم منها. وهكذا مرّ على الشغور الرئاسي حتى الآن أكثر من 18 شهراً ولا الأقطاب الموارنة الأربعة اتفقوا على مرشح منهم لأن كل قطب يريد أن تكون الرئاسة له. ولا سلاح لدى معارضي انتخاب رئيس من 14 آذار سوى سلاح تعطيل نصاب الجلسات، وهو ما حصل بكل أسف وخلافاً للدستور، وكاد ينعكس ذلك سلباً على الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي في البلاد.

والسؤال المطروح الآن هو: هل تؤيد القوى المسيحية، وتحديداً الاقطاب الموارنة، ترشيح النائب سليمان فرنجيه؟

الواقع أن هذه القوى منقسمة بين مؤيد ترشيحه لأن فرنجيه رئيساً للجمهورية قد يكون غيره كنائب، خصوصاً عندما يتغير الوضع في سوريا ويقوم حكم جديد فيها يختلف سلوكه مع الحكم في لبنان عن الماضي، وبين معارض ترشيحه أو متحفظ خشية أن تكون لفرنجيه سياسة داخلية وخارجية مختلفة عن سياسة القوى المسيحية، وتحديداً الأقطاب الموارنة، لذلك يريدون منه أن يعلن حقيقة سياسته الداخلية والخارجية ولا سيما بالنسبة الى تحييد لبنان وبالنسبة الى سلاح “حزب الله” وتدخله في أي حرب خارج لبنان بقرار منه وليس بقرار من مجلس الوزراء كما ينص الدستور.

لكن فرنجيه يرى أنه يستطيع أن يعلن الخطوط الكبرى لسياسته الداخلية والخارجية لأن رئيس الجمهورية ليس هو الحاكم المطلق بل هناك حكومة تقرر معه هذه السياسة عند وضع البيان الوزاري، وان قانون الانتخاب سيكون جزءاً منه، وهو كرئيس للجمهورية سيناقش مضمون البيان الوزاري عند طرحه على مجلس الوزراء، وهو لن يرد قانوناً عندما تصادق عليه الاكثرية النيابية المطلوبة، فالمسألة إذاً في جوهرها هي مسألة ثقة بين القوى السياسية الاساسية في البلاد، ولا سيما القوى المسيحية والمارونية تحديداً ورئيس الجمهورية. وهذا ما يجعل لبكركي دوراً في وضع هذه القوى أمام مسـؤوليـاتهــا الوطنيــة والتـاريخيــة وذلك بجمع الاقطاب الموارنة الأربعة أو ممثلين عن كل القوى السياسية المسيحية في بكركي للاتفاق على مرشح للرئاسة وعلى الثوابت الوطنية التي عليه الالتزام بها، فإذا تعذّر التوصل الى هذا الاتفاق، فليكن الاتفاق عندئذ على حضور جلسة انتخاب الرئيس وعدم التغيّب عنها بهدف تعطيلها فيستمر الشغور الرئاسي الى اجل غير معروف. وفي الجلسة يقترع النواب لمن يريدون من المرشحين المعلنين وغير المعلنين، ويعلن فوز من ينال أكثرية الأصوات المطلوبة، فيكون مجلس النواب عندئذ قد اعتمد الآلية التي نص عليها الدستور واحترم اللعبة الديموقراطية التي يجب أن تمارس داخل المجلس وليس خارجه من خلال سياسة الصفقات والمحاصصات.

لذلك فإن بكركي لن تقف متفرجة وهي ترى الأخطار تحدق بلبنان، بل سوف تضع القوى السياسية، ولا سيما منها المارونية، أمام مسؤولياتها، فإما يصير اتفاق على مرشح للرئاسة يعلن من بكركي وليس من أي مكان آخر، وإما إذا تعذّر ذلك كان على النواب عندئذ أن يقرروا النزول الى المجلس للانتخاب كما تقضي الأصول، اذ أنه لم يعد مقبولاً ولا معقولاً عدم الاتفاق على مرشح لا من بين الاقطاب الموارنة الأربعة ولا من خارجهم فيصح فيهم القول للجائع: “صحيح ما تكسر ومكسور ما تاكل وكول لتشبع”…