في وقت تشتعل المعارك البلدية في كلّ لبنان، تبقى لمنطقة كسروان نكهتها الخاصة سواءٌ كانت البلدة كبيرة أو صغيرة، ففي هذه المنطقة تتجمّع العوامل السياسية والعائلية وتختلط بعضها مع بعض لتشكل مؤشراً لمستقبل الزعامات المارونية.
إذا كانت المعارك الإنتخابية في المناطق مشتعلة، فإنّ معركة جعيتا «بارود ببارود»، فمن جهة نجَح الثنائي المسيحي أي «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» في دعم لائحة واحدة مع بعض العائلات، ومن جهة ثانية فإنّ رئيسَي اللائحتين المتنافستين من عائلة بارود وهما الرئيس الحالي سمير بارود المدعوم من حزب الكتائب اللبنانية وبعض العائلات، والذي يتربع على عرش البلدية منذ 18 عاماً، أما منافسه فهو وليد بارود المدعوم من الثنائي المسيحي والذي كان مرشحاً عام 2010 وانسحب آنذاك.
في المقابل، يحاول الفريقان كسب تأييد زياد بارود الذي ما زال يلتزم الحياد على إعتبار أنّ الرجلين قريبان منه، وقد حضرا الى منزله الأسبوع الماضي يوم إفتتاح القصر البلدي، لكنّ كلّ محاولاته الهادفة للوصول الى لائحة توافقية لم توفق، ففتحت المعركة على مصراعيها.
الناخبون
تنسجم زحمة السير من الزوق في اتجاه جعيتا مع طبيعة المعركة، ففي جعيتا تزاحم على إستقطاب أصوات 1298 ناخباً مسجلاً على لوائح الشطب سينتخبون مجلساً بلدياً مؤلفاً من 9 أعضاء. وتأخذ المعركة طابعاً أكثر شدّة خصوصاً أنّ جعيتا تُعتبر من البلديات ذات الموارد المالية المهمة.
ويتوقف الكلام عند الوصول الى مغارة جعيتا، ذاك المعلم الذي كان مرشحاً ليكون بين عجائب الدنيا السبع، والذي يعكس جمال لبنان وصورته الحقيقية التي تشوّهت بالنفايات والفساد والسمسارات، فتحوّل لبنان الى مغارة علي بابا بدلاً من أن يكون مغارة جعيتا، ولم تسلم المغارة الطبيعية المذهلة أيضاً من سطو وفساد المغارة الأولى.
شكّل افتتاح القصر البلدي مناسبة جمعت أركان الدولة ورأس الكنيسة المارونية، وفي المقابل إنصرف المتنافسون في البلدية إلى قراءتها وتوظيفها في المعركة الداخلية، إذ رأى قسمٌ منهم أنّ تاريخ الإفتتاح مقصود قبل الإنتخابات الحالية، فيما ذهب البعض الآخر الى القول إنه يدلّ على أنّ البلدية «اشتغلت» ويجب تجديد الثقة بها.
في المعارك الإنتخابية، تُستعمل كلّ الأسلحة الديموقراطية، فلا يلبث الليل أن يحطّ، حيث تبدأ في جعيتا اللقاءات غير الإعتيادية، خصوصاً أن لا شيء يمكن اخفاؤه في البلدات وسط الحديث عن زيارات استثنائية ومحاولات لشدّ الناخبين.
وفي هذه الأثناء يستكمل كلّ فريق تحضيراته. ويؤكد رئيس البلدية الحالي سمير بارود لـ«الجمهورية» أنّ التحضيرات تجرى على قدم وساق.
ويسأل: «أين المشكلة إذا ترشحت لولاية جديدة، فليس شرطاً أن يتغيّر الرئيس كلّ فترة، فهل ضبطوا بحقي أيّ مخالفة أو أيّ تقصير أو عمل غير قانوني»، لافتاً الى أنّ «نهاد نوفل كان رئيساً لبلدية الزوق لمدة طويلة جداً، وحصدت بلدته في عهده أهمّ الجوائز العالمية، فكلّ هذا الكلام عن تولّي البلدية لفترة طويلة لا معنى له».
وعن دعم الوزير بارود له، يقول: «بارود دعمنا سابقاً وكان إلى جانبنا وأنا لا أريد التحدث باسمه، لكنّ الجميع يعرف ويكتشف موقفه الحقيقي ومَن يدعم خصوصاً عندما كان معنا في إفتتاح القصر البلدي في جعيتا، فهو لا يحب الكلام الكثير لكنّ عمله يدل مع مَن يقف والى جانب مَن».
ويشير الى أنه عمل على رفع حصة بلدية جعيتا من عائدات الدولة من مغارة جعيتا بمساعدة الوزير بارود وعدد من المسؤولين، فكنا نحصل على 330 ليرة من كلّ زائر فأصبحت 1830 ليرة لبنانية»، مشدّداً على أنه «صديق الجميع وخصوصاً الوزير بارود وستتظهّر نواة اللائحة منتصف الأسبوع وهناك مفاجآت».
المنافس
بما أنّ آل بارود هم أكبر عائلة في جعيتا، فمن الطبيعي أن يكون رئيس اللائحة من هذه العائلة، لذلك يؤكد رئيس اللائحة المنافسة وليد بارود أنه «مرشح لأنّ البلدية تحتاج دائماً الى دم جديد لكي تتحرّك المياه الراكدة»، معتبراً أنّ «البلدية الحالية أصبحت «ختيارة» لذلك لا بدّ من التغيير».
يتسلّح وليد بارود بدعم «القوات» و«التيار» بعد المصالحة المسيحية.
ويوضح أنه «على رغم الطابع العائلي في المعارك البلدية، إلّا أنك لا تستطيع إلغاء القوّتين المسيحيّتين الأقوى ومنعهما من التدخل في البلدات». ويبدي إرتياحه من موقف الوزير بارود، إذ يؤكّد إنه «سعى الى التوافق لكن حتى الآن مساعيه لم تنجح وهو يقول إنه يقف على الحياد».
توزّع القوى
يمكن أخذ جعيتا نموذجاً لتحالف الثنائية المسيحية مع بعض العائلات، في حين إصطّفت الكتائب مع الرئيس الحالي للبلدية طامحةً في تحقيق نصر عليهما كدليل على وجود الحزب في بلدات عاصمة الموارنة.
ويؤكد ابن جعيتا ومسؤل إقليم كسروان الكتائبي شاكر سلامة التحالف مع سمير بارود، لكنه في المقابل يكرّر أنّ المعركة وإن أخذت طابعاً سياسياً نتيجة دعم «القوات» و«التيار» اللائحة المقابلة، إلّا أنها تحافظ على طابعها العائلي حيث تضمّ اللائحتان مرشحين من كلّ الأحزاب، فالإنماء والعائلية يلعبان دوراً مهماً».
العنصر النسائي
يدخل العنصر النسائي بقوة في الإنتخابات، وإذا كان لـ«التيار الوطني الحرّ» في كسروان إمرأة في الندوة البرلمانية هي النائب جيلبيرت زوين، إلّا أنّ وجوده الأنثوي في جعيتا قويّ أيضاً بفضل مسؤولته في البلدة والمرشحة على لائحة وليد بارود، ريموند بارود، التي ما تلبث أن تسألها سؤالاً عن المعركة حتّى تبدأ بالحديث عن طبيعة البلدة وتوزّع القوى فيها وملاحظاتها على البلدية الحالية «التي لم تعامل الناس بالتساوي، وقصّرت في بعض الأماكن»، لتصل الى السياسة العامة في البلد، وتكمل حديثها بطلاقة مبدية إنزعاجها من بعض الرسائل السياسية التي صدرت في إفتتاح القصر البلدي في حضور رأس الكنيسة المارونية البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، وتشدّد على «أننا و»القوات» قرّرنا خوض المعركة من أجل التغيير، فالبلدية الحالية لها في السلطة 18 عاماً».
وعلى رغم تأكيدها أنّ الإحصاءات جيّدة لصالح اللائحة المرشّحة عليها، إلّا أنها تعتبر أنّ البلدية الحالية تملك السلطة وهذا يؤثر في الناخبين، «لكننا مستعدون لكلّ الإحتمالات».
تلاقي «القوات» موقف «التيار»، ويؤكّد ابن جعيتا والمسؤل القوّاتي طوني البارد أنّ «المعركة هي من أجل التجديد لأنّ البلدية الحالية بقيت 18 عاماً، والآن هو الوقت المناسب للتغيير»، موضحاً أنّ اللائحة التي ندعمها هي شبابية وتحمل افكاراً جديدة من أجل التطوير والانماء».
ويشدد على أنّ «القوات» و»التيار» ملتزمان باللائحة ولا وجود لأحد من محازبينا في اللائحة المنافسة»، مشيراً الى أنّ «تحسين البنى التحتية للمغارة وزيادة واردات البلدية منها، وتحسين مداخل البلدة من اهم البنود الإنمائية التي نسعى اليها».
بارود يحسم
يحاول كلّ فريق شدّ الوزير السابق زياد بارود الى جانبه، لكنّه يتبع سياسة وسطيّة في بلدته، فيحسم الجدل حول موقفه، ويؤكد لـ«الجمهورية» أنه «سعى الى التوافق، فالمرشحون قريبون مني لكن إذا لم يتفقا فليذهبوا الى المعركة وهذه ليست نهاية الدنيا.
أنا أنادي بالانتخابات والديموقراطية ولا يمكنني أن أرفضها في بلدتي». ويشير الى أنّ دعم «القوات» و»التيار» إحدى اللوائح طبيعي، فهما في تحالف، وموقفي واضح من تأييد المصالحة المسيحية، إنما في جعيتا فليتنافس الجميع، لذلك كلّ ما يُقال عن وقوفي الى جانب هذا الفريق أو ذاك ليس صحيحاً».
ويشرح بارود أنّ «وجوده في إفتتاح القصر البلدي طبيعي ولا يجب تفسيره كأنه دعم لأحد، فأنا إبن البلدة وواجباتي أن أكون مشاركاً في حدث مثل هذا».
بعد موقف بارود والقوى السياسية والعائلية، بات الإتجاه نحو معركة إنتخابية، في حين أنّ الأهالي ينتظرون من البلدية المقبلة مهما كان رئيسها وأعضاؤها إنماء وتطوير وزيادة الواردات من منجم الذهب أي مغارة جعيتا… لا أن يعيشوا في مغارة علي بابا.