Site icon IMLebanon

معركة جونية: رابحون وخاسرون قبل الانتخابات

بالنسبة إلى رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون، هي مجرد بلدية في مدينة عزيزة عليه يعنيه طبعاً تكريس نفوذه فيها. أما بالنسبة إلى نعمة افرام، فهي معركة حياة سياسية أو موت. وبين هذه وتلك، اختار النائب السابق منصور البون إخراج نفسه بنفسه من حسابات الرابية، فيما ربح الخازن والقوات مضمون أياً كانت النتيجة

لم تتجاوز سنّه اثنين وعشرين عاماً، يحمل هاتفه ويتنقل مبتهجاً بين أصدقائه يريهم سبع «ميسد كول» من «الشيخ منصور» متبجحاً بعدم إجابته النائب الكسروانيّ السابق منصور البون رغم إلحاحه.

هو عونيّ «على رأس السطح» ويفترض أن يجلس يوم الأحد مندوباً للائحة جونية الكرامة المدعومة من التيار الوطني الحر، لكن ذلك لا يمنع البون من تكرار الاتصال به وبأمثاله لطلب خدمة صغيرة: اسم أو اسمين من اللائحة الأخرى. فمنذ مساء الخميس يتفرغ الرئيس التنفيذي لمجموع شركات إندفكو والنائبان السابقان منصور البون وفريد هيكل الخازن للاتصال بأبناء جونية فرداً فرداً، بمن في ذلك المرشحون على لائحة «الكرامة» وأصدقاؤهم وأقرباؤهم لطلب «خدمة» باسمين أو أكثر، حسب رد من يتصلون به ونبرة صوته. وخلف هؤلاء يجلس في الـ Call center حشد من المتصلين بأهل جونية يضم أكثر من مسؤول موارد بشرية في أكثر من شركة، وموظفين في بلدية جونية يعتقدون أن لهم في ذمة الناخبين أكثر من خدمة، وثلاثة مخاتير، وبضعة رجال دين وصاحب مستوصف ومدير مستشفى والمفاتيح الانتخابية التقليديين. فقد دقت ساعة الحساب وآن أوان ردّ جميل افرام بتوظيفه مئات الأفراد في شركاته، حتى ولو كان هؤلاء يكدون في عملهم ويجتهدون، وليس في توظيفهم منّة لأحد، وجميل البون بتأمينه بعض الخدمات الاستشفائية والتربوية لمحتاجيها على مدار العام، إضافة إلى تزفيت بعض الأسطح وتقزيز بعض الشرفات. في ظل تركيز المحيطين بافرام على طوباوية الأخير كأن البحث جارٍ عن قديس لبنانيّ جديد لا رئيس بلدية أو كأن لا أحد غير نعمة افرام يؤمن ويصلي ويقوم بـ»أعمال خير»، علماً أن التعاليم الدينية توصي بعدم معرفة اليد اليسرى بما قدمته اليد اليمنى، فيما يلوّح افرام بكلتا يديه عبر تسمية لائحته «مسيرة عطاء». وكأن المطلوب من الناخبين تقويم عطاءات آل افرام الاجتماعية والإنسانية لا محاسبتهم على أدائهم في المجالس البلدية المتعاقبة. وكانت لائحة افرام ــ البون ــ الخازن ــ القوات اللبنانية قد وجدت صيغة تحاصصية لتجاوز تناقضاتها الداخلية قضت بحصول البون على ستة أعضاء بينهم رئيس اللائحة فؤاد البواري، وافرام على ستة أعضاء، بينهم نائب رئيس اللائحة فادي فياض، والقوات على خمسة أعضاء والخازن على عضو واحد. ولا شكّ أن التجمع المذكور حقق حتى الآن انتصارين: أولاً، توريط النائب السابق منصور البون في معركة ضد التيار بعد أن «برى قدميه» ذهاباً ومجيئاً عند العماد ميشال عون والعميد شامل روكز يقنعهما بتوبته السياسية وصدقه في الالتزام معهما. وثانياً، جمع القوات اللبنانية والخازن الذي يُعَدّ الذراع السياسية للنائب سليمان فرنجية في جبل لبنان بلائحة واحدة تبدو حصة الخازن فيها هزيلة جداً. ورغم التزام البون تأخير حلفائه المفترضين قدر المستطاع انطلقت اللائحة أخيراً وانتقلت من ضمان أصوات مؤيديها إلى اللعب في ملعب اللائحة الأخرى. علماً أن لائحة التجدد تعمل بأربع ماكينات لأن كل نائب سابق هو ماكينة بحد ذاته، فيما تعمل لائحة الكرامة بماكينة واحدة بعد وضع التيار والكتائب قدراتهما بتصرف ماكينة حبيش.

بموازاة نزول السياسيين التقليديين على الأرض نزل أيضاً المال الانتخابي الذي لا يكاد يخلو حديث في المدينة من إشارة إليه، في ظل استغراب كثيرين من أداء ماكينة افرام ــ البون ــ الخازن ــ القوات التي تكتفي بردود الفعل مقابل احتكار حبيش للفعل. ويكفي في هذا السياق المقارنة بين صفحات «كرامة جونية» على مواقع التواصل الاجتماعي وصفحة «صدى جونية» التي يستخدمها نعمة افرام للرد. لائحة الكرامة تقول إن «جونية راجعة»، فترد الـ»صدى»: «عَ زمن الانحطاط». ولا يكاد حبيش يطل في مقابلة تلفزيونية، حتى تنشط صفحة «التجدد» في تجزئة جمله لإظهاره بمظهر الحاقد والعنجهيّ وغيره، في ظل نشر من يدّعون العفة على صفحتهم «الصدى» صورة حيوانين كتب فوقهما: «جونية بدها فرسان، ما بدا واحد كسلان». ويتخذ الهجوم على جوان منحىً شخصيّاً جداً في رسم آخر يهزأ من «جوجو» الذي يتهمونه بشراء الصوت بمئة دولار. في وقت تجنبت فيه كرامة جونية ــ بناءً على توصية العماد ميشال عون ــ الدخول في المهاترات والرد على الصور المسيئة، وأعلنت أمس تأمينها عقاراً بموجب هبة شخصية وإنجازها الدراسات الأولية لبناء مستشفى جامعي حديث في جونية، وتأمين عقار آخر بموجب هبة شخصية أيضاً وإنجازها الدراسات لأولية لبناء قصر عدل حديث لمنطقتي كسروان – الفتوح وجبيل تؤمن وزارة العدل تمويل بنائه، وتأمين عقار ثالث بموجب هبة شخصية لبناء مركز رئيسي لفرق الإسعاف الأوّلي في الصليب الأحمر. إضافة إلى بناء مركز للكونسرفتوار الوطني يستقطب نحو 1500 طالب بالتعاون مع وزارة الثقافة، واستحداث مبنى للدفاع المدني في جونية بعيداً عن الأحياء السكنية ووضع خطوات عملية لحل الأزمة المواصلات بالتعاون مع وزارة الأشغال. أما اللائحة الأخرى، فلم تجد حاجة للبرنامج الانتخابي، في ظل مطالبتها الناخبين بالتجديد لمن تمثل الخدمات الفردية بنداً وحيداً في برامجهم الانتخابية. ولا شك هنا أن من يرون بافرام نموذجاً سياسياً آخر كانوا يتوقعون أن يقدّم في معركته الأولى لإثبات نفسه أكثر بكثير من مجرد سعي للتجديد لمن يتحكمون ببلدية جونية منذ نشأتها.

في انتظار النتائج، يمكن القول إن التيار سيكون قادراً على الاحتفال في ختام اليوم الانتخابي أياً كانت النتيجة، باعتباره يمثل وحده ما يوازي تمثيل كل خصومه والقوات اللبنانية مجتمعين. افرام بدوره سيكون خاسراً في ختام اليوم الانتخابي سواء ربح أو خسر بحكم ظهوره بمظهر اللاعب الثانوي في جونية بعدما كان يتصرف باعتباره عراب اللوائح ومرجعية جونية الرئيسية وأبا السياسيين وأمهم. أما البون، فقد يفوز بمجلس بلدي سبق له الفوز به، لكنه خسر أياً كانت النتيجة ثقة العماد عون والعميد روكز به. وفي المقابل، فإن الخازن سيكون قادراً على الاحتفال يوم الأحد، سواء ربحت لائحته أو خسرت، فهو ساير عديله (افرام) في هذه الانتخابات، لكنه سيسرّ بكسر شوكة نعمة افرام الذي يزاحمه على مقعده الانتخابي ويسعده جداً دق الاسفين بين البون والعماد عون باعتبار الأخير يحتاج إلى نائب سابق واحد (الخازن أو البون) ليضمن فوز لائحته كاملة في أي استحقاق انتخابي مقبل. علماً أن الخازن أخرج المعركة بشكل كامل من سياق المواجهة بين عون وفرنجية وجعلها بين عون وافرام أو عون والبون حصراً. والقوات اللبنانية بدورها ستكون قادرة على الاحتفال في معراب أياً كانت النتيجة باعتبارها كانت جسماً غريباً تنبذه البيوتات السياسية في كسروان وتسمعه نساء آل افرام كلاماً قاسياً في العزوات، فيما باتت بفضل هذه الانتخابات من أهل بيت افرام.