ليس في القلمون معارك حاسمة، ولو جرى المزج بين الحرب الكلاسيكية وحرب العصابات. لا فقط بسبب الطبيعة الجغرافية الوعرة للمنطقة بل أيضاً لأن الطابع البشري الذي يتخذه الصراع الجيوسياسي جعل حرب سوريا تدخل عامها الخامس من دون حسم. حتى عندما يحدث ما يبدو حسماً، فان التطورات تتجاوزه. والتجارب لا تزال طرية.
قبل أكثر من عامين ربح حزب الله الى جانب النظام السوري معركة مدوية في القصير أعطيت طابع التحول الاستراتيجي. ولم تتوقف الانتصارات في المعركة التي استمرت حتى آخر موقع أو قرية في المنطقة الممتدة بين الحدود مع لبنان والطريق الدولي بين دمشق وحمص. ولا كان أقل ما قيل في قراءة المعركة لدى اصحابها سوى ان اللعبة انتهت في القلمون التي لجأ أهلها الى بلدة عرسال وجرودها. لكن التنظيمات المسلحة للمعارضين لم تغب طويلاً عن الظهور في جرود القلمون، سواء انتمت الى الجيش الحر أو الى جبهة النصرة المرتبطة بالقاعدة أو الى تنظيم داعش الذي ظهر بعد معركة القلمون. ثم كانت غزوة عرسال واختطاف عسكريين من الجيش وقوى الأمن لا يزالون في قبضة الارهابيين، وبعدها غزوة جرود رأس بعلبك التي فشلت.
وفي الشتاء بدأ الحديث عن معركة الربيع. كان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أول من حذر من مخططات الارهابيين بعد ذوبان الثلج. وهو دعا الى الاستعداد لمواجهة هجوم ارهابي، وسط الانطباع ان المعركة دفاعية والجيش مستعد لها. لا بل وسط الدعوات الى التنسيق بين الجيشين اللبناني والسوري وطبعاً مع حزب الله. أما في المدة الأخيرة فان الأحاديث تدور على معركة هجومية يستعد حزب الله لخوضها في القلمون السوري ضد الذين جرى اخراجهم من المنطقة قبل عامين.
ولا أحد يسأل كيف عاد هؤلاء الى القلمون وأقاموا مراكز ومواقع، لأن الوضع على الأرض في سوريا مخيف. لكن الكل يسأل عن السبب الذي دفع طهران وحزب الله الى تغيير عادة الكتمان قبل المعارك، والكلام العلني على معركة القلمون وساعة الصفر. لا بل ان وكالة أرنا الايرانية كشفت سيناريو المعركة ومراحلها وخارطة الطريق اليها والهدف النهائي المطلوب تسجيله.
وليس أمراً قليل الدلالات في أية معركة أن تعطى صورتها قبل أن تبدأ. فالجانب السياسي والاعلامي تقدم على الجانب العسكري. والانطباع السائد أن مجريات الحرب في الأيام الأخيرة، وحسابات الكواليس بعد المفاجآت في اليمن، جعلت الحاجة كبيرة الى رسالة سياسية بصرف النظر عن الانجاز العسكري.
وليس أطول من حرب سوريا سوى أزمة لبنان.