ليس بالمعايير اللبنانية وحدها تُقاس معركة القلمون. فلا استمرار التساؤل الطبيعي عن قرار الحرب والسلم يُحرج حزب الله الذي يمارس القرار أو يُخرج السلطة من حال التخلي عنه. ولا تكرار الكلام على معارك توصف خلالها السيطرة على تل أو مفترق طرق أو شارع بأنها ذات طابع استراتيجي في حرب سوريا التي دخلت عامها الخامس من دون حسم استراتيجي لأي طرف.
ومن السهل الذهاب في الجدل الى النهاية تحت عناوين قديمة وجديدة. النأي بالنفس أم إقحام النفس؟ ما الذي يتقدم على الآخر، وإن تكاملا، في معركة القلمون: الهدف العسكري أم السياسي؟ هل حسم حزب الله المعركة نهائياً بالسيطرة على تلة موسى أم ان الاحتفاظ بها مسألة أخرى؟ هل يقود انتصار حزب الله الى إبعاد الخطر الارهابي عن لبنان كما يقول الحزب أم يجعل الخطر أقرب وأكبر كما يقول المختلفون معه؟ ماذا عن دفع المزيد من المسلحين الى جرود عرسال؟ وهل المطلوب زج الجيش في مهمة تتجاوز واجبه ودوره في الدفاع عن لبنان وحماية الحدود؟
مهما تكن الأجوبة، فإنها لن تبدل المواقف. ومن الصعب قراءة معركة القلمون من دون التوقف أمام كلام لافت في خطاب للسيد حسن نصرالله سبق المعركة بأسابيع. فالأمين العام لحزب الله أعلن بوضوح قاطع ان من يريد ان يقرر مصير لبنان يجب أن يكون حاضراً في مصير المنطقة، واليوم يوضع مصير دول المنطقة في المنطقة، لا بل ان مصير العالم يُصنع في المنطقة.
وليس هذا مجرد كلام ايديولوجي ضمن فائض القوة وفائض الثقة في القدرة. فهو مبني على القراءة في تحول استراتيجي أميركي تحت عنوان المحور يأخذ الأولوية في الاهتمامات من الشرق الأوسط الى الشرق الأقصى. ومبني بالطبع على الثقة بأن اليد العليا في تقرير مصير المنطقة هي للمحور الذي تقوده ايران المحصنة باتفاق نووي مع مجموعة ٥١ وعملياً بتفاهم مقبل مع أميركا على الدور والحصة في النظام الأمني الاقليمي. لكن المشهد أشد تعقيداً مما يبدو في هذه الصورة.
ذلك ان الكبار لن يتركوا الشرق الأوسط. والقوى الاقليمية في حاجة الى أدوار أميركا وروسيا وأوروبا والصين. فضلاً عن أن الثلاثي الاقليمي الذي تصدر المسرح في غياب الدور العربي، أي ايران وتركيا واسرائيل، يواجه حالياً بداية عودة مصر ومفاجأة الدور العسكري السعودي المباشر ضد انقلاب الحوثيين والنفوذ الايراني في اليمن. وهم جميعاً محكومون بالتطلع الى دور أميركي ودور روسي في محاربة داعش وايجاد مخارج من حروب سوريا والعراق واليمن وليبيا.
وليست معركة القلمون سوى خطوة على خارطة واسعة لصراعات ومصائر.