IMLebanon

معركتا الخيام 2006: خطة الهجوم تتحوّل فراراً

«مجزرة الميركافا»، في عدوان 2006، لم تقتصر على وادي الحجير. «درة تاج» الصناعات العسكرية الاسرائيلية كانت هدفا لمقاتلي حزب الله في المواجهات المباشرة مع قوات العدو الاسرائيلي، خلال محاولات «الاجتياح البري» المتفرقة، وصولا الى محاولة الاجتياح البري الكبير في نهاية الحرب. الجامع المشترك «للاجتياحات» كان دبابة «الميركافا» وتطاير اجزائها

في كل «اجتياح بري»، موضعي او كبير، في عدوان 2006، كان استهداف «الميركافا» يحول دون تنفيذ الخطط الموضوعة وإفشال أهدافها.

الجامع المشترك، ايضاً، لـ «الاجتياحات»، هو تحوّل خطط الهجوم الاسرائيلية الى خطط انقاذ: بدلاً من «سحق» حزب الله، تتحوّل المهمة الى انقاذ الجنود وانتشال الجثث والجرحى، ليتباهى الضباط بأنهم تمكّنوا من اجلاء الاصابات ومنعوا وقوع جرحاهم اسرى في أيدي مقاتلي الحزب!

لكن ماذا عن خطة الهجوم، وماذا عن الاهداف والفشل الميداني؟

في أدبيات سرد وقائع الحرب هناك جملة متداولة لدى الكتاب الاسرائيليين ولجان التحقيق العسكرية التي أُقرت بعد الحرب، وهي دالّة على مدى الفشل في مواجهة حزب الله: «تحوّلت المعركة إلى صراع بطولي على إنقاذ المصابين».

مقاتلو الحزب في بلدة الخيام وسهلها والتلال المشرفة عليها والمحيطة بها، واجهوا عناصر جيش العدو في محاولتي اجتياح كبيرتين خلال الحرب. الاولى كانت ليلة 23 تموز لكنها لم تبصر النور، وتراجعت الوحدات العسكرية الاسرائيلية عن تنفيذها في اللحظة الاخيرة بعد تدخل الطبيعة. والثانية كانت في تاريخ 8 ــــ 9 آب، وهي الواقعة التي شهدت وابل الصواريخ على سهل الخيام، وفرار الآليات الاسرائيلية في اتجاه الاراضي الفلسطينية المحتلة بعد تعذر تحقيق المهمة.

يمكن ان يُنظر الى فشل الهجوم الاول بأنه مصداق لـ «النصر الالهي». فقد كان «الضباب» غير المتوقع وغير المتنبأ به، عنصراً اساسياً في منع تنفيذ خطة احتلال الخيام، اضافة الى توقع اعداد كبيرة من القتلى في صفوف الضباط والجنود الاسرائيليين. ويكشف عامير ربابورت في كتابه التوثيقي عن مجريات حرب 2006، الصادر تحت عنوان «قواتنا تحت النار»، تفاصيل الهجوم الاول:

«… في تلك الليلة، بين الثلاثاء والأربعاء، كان يفترض أن تُنفذ أيضاً العملية الأولى للفرقة 162 في الحرب. لواء الناحال، بقيادة العقيد ميكي ادلشتان، خرج بهدف السيطرة على المناطق المحيطة ببلدة الخيام في القطاع الشرقي، شمالي المطلة. في موازاته كان يفترض باللواء 401 المدرع، أن يحتل الجبال التي تقع فيها مدينة مرجعيون المسيحية. وكما في الخطة الأصلية لبنت جبيل، كذلك كان يفترض بخُطة احتلال الخيام أن تستمر ليومين.

… تحرّكت القوات جماعات في اتجاه البلدة. وقرابة الحادية عشرة ليلاً، عندما كان المقاتلون على مسافة ثلاثة كيلومترات عن الخيام، تلقّى قائد الفرقة مكالمة من سلاح الجو في المنطقة الشمالية: نحن آسفون، كان هناك خطأ في التنبؤ بحالة الطقس. في هذه اللحظات تنخفض الغيوم إلى ارتفاع 700 متر. وهذا بالضبط هو ارتفاع الجبل الذي تقع عليه الخيام. ولذا لا أستطيع مواصلة تقديم الإسناد الناري الجوي». قائد الفرقة، الموكل اليها احتلال الخيام، غاي تسور، اعرب عن قلقه، اذ كان يفترض يفترض به أن «يليّن» المقاومة المتوقعة من قبل مقاتلي حزب الله في ضواحي البلدة.

اتصل بقائد اللواء أدلشتاين، وقادة الكتائب وسألهم: «أحقاً توجد غيوم فوق الخيام؟». ردّ عليه الضباط وأكدوا له، وطلب قائد اللواء ان يعيدوا القوات الى اسرائيل. وقف تسور أمام القرار الأصعب في مسيرته العسكرية. إذا ما أمر بسحب القوات فسيُحسب بنظر زملائه وقادته جباناً ولا يتمسك بالمهمة. وإذا ما أدخل القوات إلى الداخل من دون إسناد جوي، فقد تنتهي العملية بعشرات القتلى. قرّر إعادة الجنود، وبرر قراره على مسمع الضباط: «إذا كان لدينا ثلاثون قتيلاً، فإن الضرر سيكون عظيماً، حتى لو قتلنا خمسين من عناصر حزب الله».

كان «الضباب» غير المتوقع عنصراً اساسياً في منع تنفيذ خطة احتلال الخيام

أبلغ تسور قراره الى قيادة المنطقة الشمالية. لم يكن (قائد المنطقة الشمالية، اودي) آدم، راضياً عن التراجع، فاتصل بنفسه بقادة الكتائب وهم ما زالوا على الأرض لكي يصفوا له الغيوم غير المتوقعة. وأخيراً اقتنع. احترم اعتبارات قائد اللواء، وقرر تأجيل السيطرة على الخيام. الجنود، الذين أعدوا أنفسهم لمعركتهم الأولى على الأراضي اللبنانية، قاموا بالاستدارة. عبروا الحدود إلى الأراضي الإسرائيلية من دون إطلاق طلقة واحدة. مقاتلو «اللواء 401» تلقوا الخبر عن إلغاء العملية حتى قبل أن يتمكنوا من عبور الخط الحدودي.

المعركة الثانية باتجاه الخيام، كانت كارثية من ناحية الجيش الاسرائيلي، ما بين 8 و 9 آب. يكتب عاموس هرئيل في كتابه التوثيقي عن الحرب ومجرياتها، (بيت العنكبوت – قصة حرب لبنان الثانية) ان خطة مهاجمة الخيام كانت موضوعة على طاولة القرار، قبل 8 آب 2006، وكانت معروضة على قيادة المنطقة الشمالية. ويكشف انها كانت الخطة التمهيدية للعملية البرية الكبرى، التي طولب من المجلس الوزاري المصغر بمناقشتها صبيحة يوم الاربعاء 9 آب.

«… العميد أيرز تسوكرمان قائد الفرقة التي اوكلت اليها المهمة، عرض الخطة ايضا على قائده السابق عميران ليفين (قائد المنطقة الشمالية سابقا) الذي اشار الى ثغرة أساسية وجدها في الخطة المبدئية. ومعا مع ليفين، رسم تسوكرمان خطة جديدة نصّت على تحرك قواته على طريق مدينة مرجعيون، التي تعد صديقة، ولا تتوقع فيها مقاومة حقيقية، ومن هناك تواصل القوات نحو الشمال قليلاً، للسيطرة على منطقة قرية بلاط، التي سجل منها اطلاق صواريخ بكثرة (من هناك أطلق الصاروخ الذي قتل 12 جندياً في كفار غلعادي في اليوم التالي).

بحسب كلام تسوكرمان، أراد إطلاع قائد المنطقة الشمالية آدم على التغيير في الخطة، لكن لم يكن لدى قائد المنطقة الشمالية الوقت الكافي للاطلاع على التعديلات. جرى الاتفاق على أن تعرض الخطة عليه في 8 آب، عندما يمر آدم بين قيادات الفرق الأربع التي يتوقع أن تشارك في العملية البرية الواسعة.

وصل آدم، يوم الثلاثاء، إلى مقر قيادة تسوكرمان مع رئيس الأركان دان حالوتس، واللواء بن رؤوبين. في الظهر، قبل ثماني ساعات على التحرك المخطط له لفرقة تسوكرمان، اكتشف قائد المنطقة الشمالية أن قائد الفرقة غيّر الخطة كلياً، وعمد الى توبيخه. كان على رئيس الاركان حالوتس ان يحسم، وكان قلقا من احتمال أن تؤدي الخطة الجديدة إلى أضرار كبيرة في القرى المسيحية التي لم تكن لإسرائيل مصلحة في المواجهة مع سكانها. الا ان قراره الحاسم الاخير الموجه لأودي ادم، جاء على الشكل الآتي: «ليس هكذا يوافقون على خطط. تدبروا الأمر بينكم». وغادر المكان.

رغم الخلاف، كان مهما لآدم ان تنطلق عملية مهاجمة الخيام في الليلة نفسها، فهي العملية التمهيدية للعملية البرية الكبرى، التي كان يفترض بالكابنيت – المجلس الوزاري المصغر، أن يناقشها في صبيحة اليوم التالي. اتفق مع تسوكرمان بسرعة على عدة تعديلات للخطة، وجاءت اقرب لما اراده قائد الفرقة، وقريبة جدا من التعديل.

يوم الأربعاء، التاسع من آب، دخلت الفرقة القتال، واحتل لواء مشاتها المنطقة الواقعة جنوب غرب مرجعيون. وخلال التقدم، قتل جندي بقصف من قذائف الهاون. في ساعات المساء، انخرط اللواء المدرع التابع للفرقة في المعركة، وكانت وجهته مرجعيون. قائد اللواء العقيد غيل تحرك شمالاً، مع إحدى الكتائب بقيادة الضابط زيف.

حالما أكملت القوة مهمة الوصول الى الساحة، عند مدخل مرجعيون، تلقت دبابتان في مقدمة القوة المدرعة، تابعتان للسرية الثالثة، صواريخ RBG، ووجهت بعبوات ناسفة. في مقابل ذلك، تورّطت السرية الثانية بين أشجار الزيتون وأكوام الحجارة في المكان. اضافة الى ذلك، بضع دبابات، ومن بينها دبابة قائد السرية، واجهت اعطالاً تقنية. قرر قائد اللواء الذي تتبع له الكتيبتان ان يعيد الدبابات ذات الخلل التقني، الى ما وراء الحد واستبدالها بدبابات من السرية الأولى، المنتظرة هناك قرب السياج.

تنفيذا لذلك، وبشكل محير، خرج مع الدبابات المعطلة قائد السرية الثانية ونائبه، بدلاً من انتظار استبدالها بدبابات صالحة والبقاء في الداخل. خلال تحرك القوة جنوباً، سقطت دبابة نائب قائد السرية في قناة، واستمرت عملية انقاذها 70 دقيقة. ونتيجة لخطأ الملاحة والتوجيه، خرجت الدبابات إلى مسافة نحو نصف كيلومتر إلى الشرق من المسار الأصلي. هذا الخطأ افقدهم عامل الوقت والسرعة بتنفيذ التراجع، وكشفهم في ساعات الصباح أمام رصد حزب الله، من منطقة الخيام.

في الثامنة صباحاً، أي بعد وقت طويل على الموعد المقرر لوصول الدبابات الى اسرائيل، اكتشفت قيادة اللواء ان الدبابات ما زالت عالقة في سهل الخيام وهي مكشوفة لنيران حزب الله. صحيح ان قائد الكتيبة طلب قصفا مدفعيا للخيام، الا انه سبق الطلب سقوط الدفعة الصاروخية الأولى التي أصابت الدبابات في السهل. نحو 30 صاروخ كورنيت أطلقت على القوة، ونتيجة للقصف قتل وجرح عدد من الضباط والجنود، وكل الدبابات أعطبت وتوقفت عن العمل. مجنزرة «بوما» التابعة لقوة الهندسة، التي كانت تسير على مسافة ثمانين متراً وراء الدبابات، أصيبت هي الأخرى بصاروخ، وأصيب الجنود الثمانية الذين كانوا فيها.

من مرجعيون عاين الجنود المدرعات المحترقة في سهل الخيام. زيف مع السرية الثالثة، نزل من البلدة للمساعدة في الإنقاذ. وعبر الجهاز أمر نائبه يفئال بالبقاء في مرجعيون مع السرية الأولى، التي وصلت إلى البلدة قبل ذلك بقليل. كان الإنقاذ سريعاً. مؤهل سرية الهندسة أوري ليرز نجح في إخلاء رفاقه الجرحى من المجنزرة والاستعداد للدفاع. دان، قائد السرية الثالثة، الذي وصل ايضاً، حمل على دباباته الميركافا سبعة من جرحى «بوما». أخلى «زيف» مصابين آخرين من قوة المدرعات بدبابته. وعندما وصل إلى بوابة الحدود فهم قائد الكتيبة فجأة أن الرتل الممتد وراءه أطول بكثير مما يجب أن يكون. واتضح له أن الكتيبة كلها، بما فيها نائبه والسرية الأولى، انضمت إلى محاولة الإنقاذ التي تحولت إلى انسحاب سريع. ومن كل القوة، التي عبرت السياج شمالاً باتجاه مرجعيون قبل ذلك بتسع ساعات، بقي في البلدة قائد اللواء فقط مع دبابة ومجنزرة. تسع دبابات أخرى مصابة أو معطلة ومجنزرة واحدة بقيت موزعة في أرجاء السهل. التدقيق مع نائب قائد الكتيبة أظهر أنه لم يفهم قصد قائده. ولقد قال في التحقيق ان الكتيبة كلها عادت إلى السهل للإنقاذ.

العقيد غيل، بعدما عاين كل ما يجري، أمر زيف بتنظيم السرية والعودة إلى الداخل، الا انه عاد وتراجع عندما اكتشف أن الصواريخ ما زالت تتطاير في السهل. شاهد تسوكرمان كل الحدث من مقر القيادة الخاص به قرب الحدود… لم يبق الكثير من العملية الرائعة التي خطط لها بانفعال في الليلة السابقة. وبدلاً من التحرك السريع والمذهل المتوقع شمالا، تلقى القائد دبابات محترقة عالقة في السهل، ووجهتها بالاتجاه المغاير لما كان مخططا له – الانسحاب من لبنان.