في بداية القرن الحالي انشغل العالم في الحرب الأميركية-الدولية على افغانستان، ثم سارت بنا الولايات المتحدة الأميركية ضمن تحالف دولي ضدّ العراق، ثم تدريجيًا ظهر تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق» (داعش) ليتطور بعدها الى العراق والشام، وذلك بعد انطلاق الأحداث في سوريا، وكانت قد سبقتها بأسابيع ليبيا ولحقتهما اليمن.
لم يعد خافيًا على أحد انّ المصالح الجيوسياسية طاغية في كل هذه الأحداث التي بدأت مع وصول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى الحكم بداية القرن الحالي والتبدّل في النهج السياسي المتّبع في تركيا مع وصول حزب «العدالة والتنمية» هناك. بالتزامن مع الدور الاستراتيجي الذي لعبته تركيا وروسيا كانت إيران تستعيد عافيتها لتكون اللاعب الأهم في المنطقة لأسباب عدة:
1- وجود أرضية شعبية واسعة الانتشار في منطقة غرب آسيا.
2- تحالفها الاستراتيجي مع روسيا الاتحادية وتلاقيهما في ملفات عدة وصولًا الى الانضمام أخيرًا الى منظمة شنغهاي ومجموعة دول «البريكس».
3- جرأتها على الاستفراد في دعم القضية الفلسطينية عسكريًا وأمنيًا على الرغم من الضغوط الدولية غير المحدودة.
انطلاقًا من هذا الدور الرئيسي الذي لعبته إيران في المنطقة، ثبُتَ لها دور غير قابل للتهميش في مختلف القضايا الجيوسياسية والجيو-اقتصادية في المنطقة، إلى جانب تحالفات استراتيجية وتكتيكية على الشكل الآتي:
1 – الشراكة الاستراتيجية الإيرانية مع روسيا في سوريا، والتي أسقطت الحرب على سوريا من جهة، وضربت المصالح الأميركية وتحديدًا في ما خصّ مشروع «نابوكو» للغاز، والذي كان مقرّرًا ان يكون في مواجهة الغاز الروسي بنحو رئيسي.
2 – العلاقة التكتيكية مع تركيا والتي اعتُبرت نجاحًا للديبلوماسية الإيرانية في غرب آسيا.
3 – مواجهة التمدّد الأميركي في العراق وقطع طريق الاستفراد بثروات العراق النفطية، بالإضافة الى ضرب التمدّد العسكري الاميركي في المنطقة.
4 – تثبيت القضية المحورية في فلسطين وعدم السماح لمشاريع تصفيتها من خلال تثبيت النزاع الفلسطيني العسكري مع اسرائيل من جهة، وضرب مشاريع التطبيع من جهة أخرى.
انطلاقًا مما تقدّم برزت معركة «طوفان الأقصى» لتخلط الاوراق الجيوسياسية مقدمةً خريطة جديدة في المنطقة يتمّ كتابتها بالدم الفلسطيني. في هذا الإطار، يقول مصدر قيادي فلسطيني، انّ المعركة التي تخوضها الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة أتت لتضرب آخر إسفين كان يتمّ تحضيره لتغيير خريطة فلسطين بنحو كامل وطمسها انطلاقًا من التطبيع الذي لامس الخطوط الحمراء.
ويضيف هذا القيادي الفلسطيني، أنَّ ما حصل أعاد خلط الأوراق الجيوسياسية بمقدار كبير، فما لا يعرفه البعض عن «طوفان الأقصى» هو انّها حمت المنطقة من مشاريع عدة أهمها:
1 – إغراق الأردن بملايين الفلسطينيين وتحويلها نحو نزاع داخلي دموي ترفض الفصائل الفلسطينية ان تكون جزءًا منه، على الرغم من مواقف الأردن غير المشجعة.
2 – إغراق مصر بمئات آلاف الفلسطينيين وتحويلها الى منطقة انطلاق لعمليات تحرير نحو الاراضي المحتلة.
3 – تثبيت اللجوء الفلسطيني وإلغاء حق العودة من لبنان وسوريا، وهذا الامر الذي كذلك يرفضه كل فلسطيني في هذه الدول.
انطلاقًا من المدخلات الجيوسياسية التي بدّلها «طوفان الأقصى»، تغيّرت خريطة المنطقة اليوم لتضعنا أمام مخرجات جديدة ما زالت مرتبطة في ما سيحصل داخل قطاع غزة على المستوى العسكري. في هذا الاطار، يقول مصدر قيادي بارز في محور المقاومة، انّ فصائل المقاومة في قطاع غزة لا يمكن ان تسقط عسكريًا، حتى لو كان الثمن إشعال المنطقة. ويضيف، أنّ غرفة العمليات المشتركة هي التي تحدّد التوقيت المناسب لمختلف الساحات، فهي على تواصل يومي وعلى مختلف المستويات، وحسابات غرف العمليات يختلف تمامًا عن حسابات المنابر والوسائل الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي، خاتمًا «أنَّ محور المقاومة لا يقدّم مخطّطاته في المنطقة للجمهور او للعدو، انتظروا الميدان الذي ستنتج منه النتائج التي على اساسها ستكون المرحلة المقبلة».
بحسب بعض المعطيات المتوافرة حاليًا، فإنَّ سيناريوهات المرحلة المقبلة قد تكون كالآتي:
1 – دخول القضية الفلسطينية مرحلة جديدة ستعيدها الى مشارف العام 1967 جغرافيًا.
2 – تثبيت اعتراف دولي في حق الفلسطينيين ان تكون لهم دولة متكاملة المعالم.
3 – تحرّك لساحات نزاع في المنطقة، كمنطلق لإنهاء الاحتلال بمختلف اشكاله للاراضي والثروات في سوريا والعراق في المديين القريب والمتوسط تدريجيًا.
4 – الاسراع في إنهاء الفراغ الرئاسي في لبنان الذي دخل في معركة «طوفان الاقصى» بعد نحو 24 ساعة من انطلاقتها.
5 – الإسراع في إنهاء بعض التفاصيل المتبقية في الملف اليمني، كمنطلق لإعادة ترتيب الملفات السعودية في المنطقة بعد معركة «طوفان الأقصى» وما ادّت اليه من تغييرات استراتيجية في سياسة ولي العهد السعودي.