IMLebanon

معركة حلب: جنبلاط اقرّ بالخسارة وجعجع «يلملم» نفسه

كتب الحسم الميدانيّ الكبير في حلب الشهباء، بالنور والنار، بالروح والريح، بالفجر المخضّب بلون أحمر، تاريخاً جديداً لمنطقة احتشدت على أرضها كلّ المؤامرات والحروب، من أجل إبادة الخصوصيات بفراداتها الراسخة وعيشها المضيء وتمازجها البديع وتجانسها الأخّاذ، فجاءت النتيجة بهذه المعركة الحاسمة بمعطى مختلف عمّا اشتهاه المتآمرون، فسطعت بدورها بمفردات مشرقة وكلمات منيرة تحمل في طياتها عناوين ورؤى من شأنها أن تؤسس لتسوية سياسيّة أكّد كلّ من واكبها بالفعل والقول، أنّها ستكون حتمَا مع الرئيس بشار الأسد، وليس مع سواه، وستتعزّز أكثر فأكثر وتدعّم رويدًا رويدًا مع اكتمال عناصر تحرير المناطق والمدن السورية كافّة من التننظيمات التكفيريّة ومن صنّاعهم ومموليهم ومستعميلهم لتكون أوراقًا ضاغطة في ترسيم الخطوط السياسيّة وتعطيل التفاعل بين المشرق وروسيا وأوروبا، ولتسهيل إضعاف روسيا بالتهديدات المتواصلة وإفراغ أوروبا من مضامينها، ومنع أي قوى أخرى من الاقتراب نحو هذا المدى للاستثمار النفطيّ والماليّ والعمرانيّ والاقتصاديّ والثقافيّ.

لقد ثبت بالفعل لا بالقول، أنّ المراهنات لم تبينَ على صخور صلدة وصلبة ناطقة بل خرساء صمّاء، ولم تقف فوق الجبال الشاهقة الشمّاء، بل بنيت على رمال متحرّكة وأسس متزعزعة ومحتويات فارغة جوفاء، تناثرت فوق أرض الواقع فذرتها الرياح في الهباء.

من وضع إصبعه في معركة حلب وما إليها، شعر من دون شكّ باحتراقها، تقول مصادر ديبلوماسية عربية، ومن راهن على اندحار الجيش السوريّ والروسيّ وحزب الله، تأكّد له أنّ هذا حلف رصين ومتين، حلف مكتوب بقوّة المنطق ومتسربل وشاح التاريخ، ومتطلّع إلى تكوين مستقبل ضمن جغرافيا سياسيّة محافظة على مضمونها السياسيّ وعنوانه التوازن. الحسم في حلب وما سيتجلّى منه سينطلق نحو حالة تكوينيّة جديدة، بعد تبعثر وتعثّر عميم، سيتمّ فيه ربط الحدود السوريّة -التركيّة بالحدود السوريّة-العراقيّة وبالحدود السوريّة اللبنانيّة وصولاً حتّى إلى الحدود السوريّة – الأردنيّة، ذلك أنّ المنحى الجيو- بوليتيكيّ ينطلق من محتوى متكدّس تمّ تظهيره بعد تكوينه منذ سنة 2015 وأكثر ما بين موسكو وطهران والصين، فيه تكوّنت عناوين المشهد الجديد، اي مشهد ما بعد الحسم في المدن الأكثر استراتيجيّة كحمص وحلب وحماه وإدلب وفيه ايضًا ستربط حلب بحمص ودمشق، كما ستربط بحمص والساحل السوريّ، من طريقين كبيرين:

1-طريق تربط اللاذقية بحلب عن طريق إدلب مباشرة وكلّها مناطق متاخمة للحدود السوريّة – التركيّة ومحيطة بلواء الإسكندرون وأنطاكية السليبين تاريخيّاً من الفرنسيين للأتراك.

2-طريق تربط حلب بحماه وحمص وصولاً طرطوس واللاذقية، وهي طريق متاخمة بجزء منها للحدود السوريّة-اللبنانيّة شمالاً وبقاعاً.

فوق قلعة حلب سقطت أحلام كثيرين فتحطمت. كانت صروحاً من خيال فهوت كما في قصيدة الأطلال للشاعر المصريّ إبراهيم ناجي. ومن قلبها ستقال كلمات جديدة أخرى تبدّل في جوهر الإقليم الملتهب وخواصّه. فعلى صعيد الأتراك وهم على مقربة من حلب ومدخلهم إليها مدينة باب الهوى، فهموا الرسالة من الحسم وأعطوا أن يقلّموا أظافر الأكراد على حدودهم، تؤكد المصادر، وتقليم الأظافر ومنع دويلة كردية مصلحة جامعة بينهم وبين الروس والإيرانيين وبين النظام في سوريا، وفي الوقت الذي اتجهت حلب نحو الحسم الميدانيّ تمّ توقيع الاتفاق النفطي بين تركيا وروسيا. وعلى صعيد المملكة العربيّة السعوديّة الطامحة بدورها لرعاية الإسلام السياسيّ من المشرق العربيّ إلى الخليج، تمّ حرق أوراقها في هذه المعركة بالكامل وصولاً إلى العراق بعد معركة الموصل الحاسمة بدورها، وفي اليمن رضخت لتسوية سياسية مع الحوثيين وخلفهم الإيرانيين بعدما، ضمن حكومة وحدة وطنيّة سمتها الساسيّة المناصفة الفعليّة بين الطرفين السياسيين في اليمن. والقطريون الرعاة مع الأتراك سابقاً للمشروع الإخوانيّ وامتداداته ما بين سوريا ومصر وربما الأردن، فقد تحوطوا بالكامل ما بين مصر وسوريا، ذلك أنّ المصريين تضامنوا مع الرئيس السوريّ بشار الأسد في مسعى الحسم في وجه قطر والسعوديّة، وأكبر دليل على ذلك رفض الرئيس عبد الفتاح السيسي عرضاً قطريّاً نقله محمّد دحلان إليه وهو سخيّ جدًّا أي نصف مليار دولار مقابل إطلاق الرئيس المصريّ احمد مرسي فرفضه. وكلّ ذلك يدلّ على انّ المنطقة من بعد تلك التطورات السياسيّة أمست أمام جبهة جديدة قوامها مصر وسوريا، ضمن الثنائيّة الإيرانيّة -الروسيّة الراسخة في تكوين الأنظومة الجديدة لهذا المشرق وصولاً إلى مصر والخليج.

ماذا عن الأميركيين بعد حسم معركة حلب وبلوغ المنطقة نحو هذا المنحى الجديد؟

من المؤكّد انّ إدارة باراك أوباما المتجهة نحو الرحيل بعد شهرين ونيّف من الآن، فشلت كليّاً، تؤكد المصادر، في رعاية الصراع وإدارته في المنطقة منذ اندلاع الربيع العربيّ وصولاً إلى معركة حلب الأخيرة. ويجيء الفشل نتيجة تورّط واضح في تبنّي الأطروحة التكفيرية منذ القاعدة حتى تنظيم «داعش» و«جبهة النصرة»، وقد اعترفت هيلاري كلينتون المرشّحة السابقة للرئاسة ووزيرة الخارجية الأميركيّة السابقة بأنها وإدارتها هي من صنعت القوى والمنظمات التكفيريّة، فشلت مع الروس في مسألة أوكرانيا، كما فشل جورج بوش سنة 2003 في العراق فيتورّطه في اقتلاع نظام صدام حسين واستبداله بنظام ممتلىء بالألغام الهائلة، وقد انفجرت تباعًا بالأطر المذهبيّة. راهنت على سقوط بشار الأسد فإذ بها تحصد عكس مراهنتها، حاولت تهديد سوريا بصواريخ التوماهوكTomahawk  إبّان مجزرة الغوطة وقد تبين في مجال التحقيقات أنّ النظام لا علاقة له بها، فإذ بهم يتراجعون أمام التقدّم الروسيّ الذكيّ في المنطقة وبقي بشار الأسد على رأس الجمهوريّة العربيّة السوريّة… لقد فشل الأميركيون فشلاً ذريعًا وظهرت مكائدهم ومثالبهم عن طريق الرعاية لتلك القوى عن طريق طلب هدنة إنسانيّة كانت كفخّ وخداع حتى يتمكنوا من إيصال السلاح إلى أرض المعركة للقوى التكفيريّة، فإذ بالسحر ينقلب على الساحر، وتأتي الإدارة الأميركية الجديدة مع ترامب لتعلن مسلمّتين تبطلان مفاعيل المسلمات السابقة، بحسب المصادر نفسها:

1-المسلّمة الأولى: الإدارة الأميركية الجديدة داعمة للرئيس السوريّ بشّار الأسد ما دام يحارب الإرهاب في سوريا، وتلك مصلحة مشتركة بين إدارة الرئيس دونالد ترامب والرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين والرئيس السوريّ بشار الأسد.

2-المسلّمة الثانيّة: الإدارة الأميركية الجديدة لن تقوم بأي إلغاء لأيّ نظام في سوريا أو العراق أو سوى ذلك، وقد جاء تصريح ترامب خلال اليومين المنصرمين ليعزّز أكثر فأكثر تلك المسلمة، وما حسم المعركة ما بين حلب وإدلب في مرحلة مقبلة سوى تأكيد لذلك.

الى هذا استند النائب وليد جنبلاط، لقد أقرّ الرجل بالخسارة لكونه كان جزءاً من محور، وتقول أوساط متابعة أنّ نصائح عديدة أسديت إلى عدد من قيادات ذلك المحور المراهن على سقوط بشار الأسد إلى عدم التسرّع بإطلاق الأحكام المسبقة، سواء جاء على لسان جنبلاط نفسه وجميع من حضر استجوابه في المحكمة الدولية الخاصّة باعتيال الرئيس رفيق الحريري يتذكّر كيف اعترف أمام المحامي المصريّ بانّ اتهامه النظام السوريّ بقتل الحريري سياسيّ وخال من ادلّة جليّة ومباشرة وواضحة، أو جاء على لسان رئيس القوات اللبنانيّة الدكتور سمير جعجع.

وفي هذا الإطار تعتبر الاوساط المتابعة أن تحالف الدكتور سمير جعجع مع العماد ميشال عون قبل الرئاسة وخلالها الآن خطوة ذكية جداً. ما يهمّ بأنّ تلك الخطوة ظلّت ناقصة بفعل عدم التفاهم على المنطلقات والأسس الاستراتيجيّة الخاصّة ببقاء الرئيس السوريّ ودور حزب الله في القتال في سوريا، وعدم ملاحظة جعجع بأنّ انظومة القتال جاءت من ضمن الثتائيّة الروسيّة – الإيرانيّة وهو تحالف متين. وفي زيارته البارحة لرئيس الجمهوريّة لاحظ جعجع أبعاد تلك النتائج المنطلقة من حسم المعركة في حلب، إرتكزعليها وليس على شيء آخر مطالباً بتوسيع التفاهمات نحو حركة أمل وحزب الله بعد البيان – الوثيقة الصادر عن رئيس التيار الوطنيّ الحرّ جبران باسيل، لقد أدرك الدكتور جعجع انّ المسألة توحي باحتراق أوراق كانت راسخة في الصراع وورسوخ هذا الثنائيّ في المنطقة مع ضمور الإسلام السياسيّ باتجاهاته العديدة والمتنوعة.

بعد حلب  ثمّ إدلب، المنطقة كلّها نحو تكوين جديد، وفي لبنان ظهرت العلامات مسبقاً مع انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهوريّة اللبنانيّة، وقد اعتبره الرئيس السوريّ في حديثه الأخير انتصاراً للبنان وسوريا معاً.