Site icon IMLebanon

معركة عون في ميزان حليفه “حزب الله”: رهاناته نجحت وعلى الجميع فتح حوار جدّي معه  

كانت قيادة “حزب الله” على يقين من ان حكومة الرئيس تمام سلام آيلة الى موت سريري عندما بادر نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم في اطلالة اخيرة الى التحذير من ان الحكومة تدنو شيئا فشيئا من حال الانهيار ما لم يتم تدارك الموقف واعادة نفخ الروح في هذا الهيكل الموشك على التداعي.

فالحزب كما سواه من المشاركين في ادارة السلطة يعي تماما بأن المعطيات والوقائع قد آلت الى أمر من اثنين: فاما نسج تسوية مع العماد ميشال عون، واما لم يعد في امكان الرئيس سلام توجيه دعوة وعقد جلسة مكتملة المواصفات ومنتجة خصوصاً ان عون فقد غطاء كان يسبغه عليه بالأساس رئيس مجلس النواب قبل ان يتلقى الأخير إشارات تدعوه الى الكف عن الذهاب في رحلة الرهان على ان الحزب لن يتضامن مع عون اذا ما دعاه داع الى مقاطعة جلسات الحكومة.

أمر اساسي بات الحزب على ثقة منه وهو ان مصيرجلسات الحكومة واستطرادا جلسات الحوار الوطني في نسخته الثالثة هي في يد العماد عون حصرا ان شاء تدخل الحكومة، المؤسسة الأهم لتيار المستقبل في حال موت سريري، وان اراد يضحي الحوار الوطني، المنتج الأعز على قلب الرئيس بري بلا معنى وبلا افق.

هذا لا يعني إطلاقا في نظر الحزب أن في امكان عون أن يرفع راية النصر الأخير وينطلق في رحلة جديدة. فالخصوم لم يستسلموا بعد وفي امكانهم المناورة ولكن الثابت ان جزءا كبيرا من رهانات عون وحساباته الداخلية والخارجية قد تحقق، في حين ان رهانات خصومه وبالتحديد تيار المستقبل قد انتكست، بدليل العجز عن الإتيان برئيس رغم مضي عام وبضعة أشهر على الشغور الرئاسي وبدليل آخر هو ان الحكومة التي انعقد الرهان حول ان تدير الأمور في مرحلة الفراغ باتت قاب قوسين أو ادنى من التعطل والشلل.

كان لعون فضيلة التجرؤ على المضي قدما الى حيث يخشى الآخرون، في حين كان خصومه يكتفون بمهمة وضع العصي في دواليب عربة طموحاته الجامحة حينا من جهة واطلاق نعوت التهور على نهجه وسياسته وتظهير الحديث عن انطواء صفحة شعبيته وتحوله الى صفر على الشمال مسيحيا من جهة اخرى ولكن في المحصلة صار عون على مدى اكثر من عام المبادر والفاعل على المستوى السياسي فيما صار الآخرون في موقع ردات الفعل اما تأييدا أو اعتراضا أو مراقبة.

هذا المشهد انفتحت ابوابه منذ ان قدم عون طلب الترشح للرئاسة الأولى باعتباره الأول وصاحب الحق الشرعي ما دامت الرئاسات الثلاث معقودة حصرا للاقوياء في طوائفهم منذ الشروع في اتفاق الطائف ومنذ ان طلب تعيين العميد شامل روكز قائدا للجيش ما دام ايضا يحق لتيار المستقبل اختيار المدير العام لقوى الأمن الداخلي.

لم يعد خافيا ان العماد عون طلب موقفاً حاسماً من حليفه الحزب لدعمه في هذه الرحلة ولم يطمئن قلبه الا بعدما سمع الموقف من الأمين العام السيد حسن نصرالله نفسه.

في ذلك الاجتماع الليلي الشهير في الضاحية الجنوبية والذي استمر لأكثر من 3 ساعات قلب الضيف والمضيف الأمر على كل وجوهه وابعاده واحتمالاته ومخاطره. وفي المحصلة كانت كلمة السيد القاطعة: “امض على بركة الله “.

مبتدأ الحزب في كل ذلك لا تكرار لتجربة الرئيس التوافقي، وبشكل أدق لا لتكرار تجربة مماثلة لتجربة الرئيس ميشال سليمان التي بدأت بمواصفات وتعهدات وانتهت بشيء مختلف تماما. الحزب انطلق في هذا التقويم من اعتبارين:

الأول ان موازين القوى والمعادلات الداخلية لا تسمح للفريق الآخر بتسمية رئيس الجمهورية. واستطرادا ان الظروف التي سمحت بانتخاب الرئيس سليمان قد ولت.

الثاني ان الأوضاع عموما لا تحتمل رئيسا يطلق اعتراضات علنية ضد خط سير الحزب. وكان ان بقي الحزب عند كلمة سيده لا مجال للتراجع ولو طرفة عين عن دعم خيارات عون حتى لو اصطدمت طموحات الأخير مع طموحات الحليف الآخر اي الرئيس بري في لحظة من اللحظات.

في ايام الاجتماع الليلي لم يكن الوضع اقليميا كما هو اليوم لم تكن روسيا بقضها وقضيضها في الميدان السوري. في ذلك الوقت كانت الكواليس السياسية تنضج بهدوء ونعومة خيوط تسوية تمهد للإتيان برئيس توافقي أو على الأقل كانت ترسم باحكام عمليات إيصاد الأبواب واحدا تلو الآخر أمام طموح عون الأكبر ببلوغ قصر بعبدا. في ذلك الوقت ايضا كانت قوى 8 آذار تخسر رئاسة الحكومة بعد استقالة الرئيس نجيب ميقاتي وتقبل بالمقابل الدخول في تسوية مع فريق 14 آذار ليست لمصلحتها ابدا عبر حكومة الرئيس سلام. ومع ذلك مضى عون قدما في المعركة ومضى حزب الله في دعمه حتى النفس الأخير.

ففي الوقت الذي كان الحزب يؤكد انه ليس في وارد التخلي عن حليفه كان يحض التيار الأزرق وكل قوى 14 آذار على لبننة الاستحقاق الرئاسي وعدم الرهان على وعود الخارج عبر فتح ورشة حوار جدي ومنتج مع عون “وكنا نقول لهم ان الرجل ليس في وارد التراجع وان الرهان على كسره أو عزله أو دفعه الى الخروج من الحكومة مجرد أوهام” وان المضي في هذه السياسة له أثمانه.

وهكذا وغداة الجلسة الرابعة للحوار الوطني ومع إقتناع الجميع بأن الحكومة قد تؤول الى الشلل يستشعر الحزب بأن من ناصبوا العماد عون العداء وسعوا الى سد المنافذ أمامه صاروا مضطرين اخيرا الى البحث عن تسويات معه علما انه لن يقبل بارباع الحلول.