اذا كانت مدينة زحلة قد شهدت أم المعارك في الاستحقاق البلدي والاختياري حيث تعدت نسبة المقترعين الـ40%، فان المعركة في بيروت هذا اذا صحت التسمية كانت هزيلة من حيث الاقبال، فلم تتعدَّ نسبة المقترعين الربع من حيث العدد لما أحاط بها من امور ىأتي في طليعتها غياب لائحة منافسة بالفعل، وربما ذلك ادى الى استرخاء الناخبين وعدم حماستهم للتوجه الى صناديق الاقتراع على خلفية ان الامور محسومة لمصلحة «لائحة البيارتة» التي جمعت كل الافرقاء في 8 و14 آذار مع عزوف «حزب الله» عن المشاركة.
ولكن البارز في المعركة تمحور حول الانتخابات الاختيارية في الدائرة الاولى لجهة توزيع الحصص بين المتنافسين وفي طليعتهم الوزير ميشال فرعون ورئيس ادارة بنك «سوسيتيه جنرال» انطوان الصحناوي الذي ابلغ نهار الخميس صباحاً عن قرار فرعون عدم التوافق على دعم اي مرشح للمقعد الاختياري محسوب عليه والجدير ذكره ان عدد المخاتير في الدائرة الاولى يتوزع على الشكل الآتي 12 مختاراً في الاشرفية و12 في منطقة الرميل و4 في الصيفي، ما دفع الصحناوي الى مقاطعة الانتخابات عبر ماكينته الانتخابية التي يقودها عضو المكتب السياسي السابق في حزب «الكتائب اللبنانية» ميشال جبور اذ لم تتعدَّ نسبة المقترعين 7 الاف صوت على الاكثر في الاشرفية من اصل 56 الف صوت مدرجين على جداول الشطب في حين ان عدد المقترعين في الاستحقاق النيابي فيها بلغ 35 الف صوت عام 2009 كما ان عدد المقترعين في الاستحقاق البلدي والاختياري عام 2010 تعدى 17 الف صوت وفق الاوساط المواكبة للواقع الميداني.
واذا كانت معركة بيروت قد شابها «الروتين» على طريقة الواجب الزوجي فان معركة زحلة اختلط فيها الحابل بالنابل من حيث التحالفات حيث دعم «حزب الله» حلفاءه بلائحة وزع فيها الناخبين عليهم، فكانت حصة ميريام سكاف في اللائحة 8 مرشحين ونفس العدد للائحة المدعومة من النائب نقولا فتوش و5 مرشحين لـ«التيار الوطني الحر»، اما اللافت فكان في دعم «تيارالمستقبل» للائحة المحسوبة على سكاف، فقد تقاطعت مصالحه الانتخاية مع «حزب الله» في ظاهرة لافتة الا ان فوز اللائحة المدعومة من التحالف العوني ـ القواتي على رغم ما احاط المعركة من التباسات تتعلق بالرشى وحجز البطاقات واللعب على الوتر المناطقي، اثبت ان المصالحة المسيحية – المسيحية اعادت للمسيحيين هيبتهم وان ورقة «اعلان النوايا» التي عمل على تحقيقها النائب ابراهيم كنعان ورئيس جهاز التواصل والاعلام ملحم رياشي نجحت في مسح الذاكرة السوداوية لاخصام الامس وادخلت المصالحة الى عمق البيت المسيحي، فباتت اشبه ما تكون بدستور يضبط ايقاع الساحة المسيحية وحجز زاوية في ارساء تحالف استراتيجي بين الطرفين والغى المقولة المعروفة «بالمسيحي السني والمسيحي الشيعي» التي راجت ايام صراع العماد ميشال عون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، واذا كان المكتوب يقرأ من عنوانه وفق المثل الشائع، فان «ورقة النوايا» تعتبر انجازاً تاريخياً وصل ما انقطع بين اكبر شريحتين مسيحيتين وقد عبدت الطريق لتبني جعجع ترشيح الجنرال للمقعد الرئاسي الاول، كما اعادت للمسيحيين الثقل الوازن الذي افتقدوه في المراحل السابقة بدءاً بايام الوصاية السورية وصولا الى خروج الجيش السوري من لبنان، وقد استعاد المسيحيون قرارهم السيادي في اللعبة السياسية ولم يعد اي طرف بامكانه القفز فوق الحائط المسيحي كما درجت العادة، والدليل على ذلك ما احاط بجلسة «تشريع الضرورة» التي تراجع عنها الرئيس نبيه بري ملبياً طلب المسيحيين ادراج قانون الانتخاب على جدول اعمالها عندما ينضج الامر في اللجان، اضافة الى ان معركة زحلة اثبتت ان وحدة المسيحيين ضمانة وجودية لهم وشكلت امتحاناً جدياً للتحالف العوني ـ القواتي وتداعياته في الشارع المسيحي وربحهم للمعركة ستنعكس نتائجه بشكل حتمي على الاستحقاق الرئاسي بالدرجة الاولى والانتخابات النيابية المقبلة في الدرجة الثانية، في وقت تشكل فيه خسارتهم لها كارثة بكل معنى الكلمة ولاعتبر اخصامهم ان التحالف المذكور لا يمثل المسيحيين.