IMLebanon

معركة التحرير الأولى الأشرفية البداية

 

كيوم أمس 1 تموز من العام 1978 اندلعت حرب المئة يوم، لتكون حرب التحرير الأولى، هذا ما أثبتته نتائجها على الرّغم من تكاليفها البشرية والماديّة والاقتصاديّة المؤلمة جدّاً، مئة يوم دامية من المواجهات مع جيش الاحتلال السوري أسفرت نهايتها عن ولادة «المنطقة المحرّرة».

 

في الأوّل من تموز ذاك، انزرعتُ على شرفة مطبخ جدّتي، نيران صواريخ راجمة الـ 107 ملم التي نصبها الاحتلال السوري على سطح مبنى برج رزق، تومض برقاً أبيض في النهار، وكتل لهبٍ حمراء في الليل، رشقة واحدة ويبدأ العدّ 12 صاروخ في ثوانٍ تسقط على رؤوس آلالاف من أبناء الأشرفيّة المكوّمين في ملاجئها، كُنّا قد ذقنا أهوال الراجمات السورية في العام 1976، دكّوا بيروت الغربيّة قبل دخول الجيش السوري مع حضور شكليّ أعطاه غطاء سياسي اسمه «قوات الرّدع العربيّة»، لتبدأ مع هذا الدخول مأساة احتلال سيستمر حتى العام 2005.

لطالما ردّد اللبنانيون خلال سنوات الحرب جملة مختصرة «بدها تعلق»، ولم يعرفوا مرّة متى وكيف، في ذاك العام بدا واضحاً أنّ حرباً ستندلع، ولا أظنّ أنّ أحداً خطر له أنّها ستندلع من الأشرفيّة وأنّ حصاراً غير إنساني سيفرض على المنطقة البيروتيّة الشهيرة، وأنّها ستقصف بلا رحمة على مدى مئة يوم، ومع أنّني كنتُ من مواطني بيروت الغربيّة وابنة الطريق الجديدة تحديداً، كنتُ أشعر بقهر كبير كلّما أطلقت الراجمة السورية صواريخها على الأشرفيّة، هذه الصواريخ كانت واحدة من ثلاث صور تركت أثرها عليّ كلبنانيّة، الصورة الثانية كانت للشيخ بشير الجميل بثيابة الحربيّة وطاسته يجول في الأشرفيّة، والثالثة صورة للرئيس كميل شمعون في أحد ملاجئها بـ»البروتيل الأبيض» مصرّاً على عدم مغادرتها.

خسائر تلك الحرب مفجعة سقط آلاف الشهداء والجرحى والمعوقين، لكنّها تشكّل أوّل معركة تحرير عرفها لبنان منذ اندلاع الحرب الأهليّة، معركة أجبرت الجيش السوري على الخروج من قلب رمزية منطقة مسيحيّة واجهته بضراوة وكرامة على الرّغم من قدراتها العسكريّة قياساً على قدرة جيش دخل لبنان ليحتلّه، قصفت الأشرفية بوحشية غير مسبوقة بقذائف الـ 240 ملم، وتفرّج العالم وقتاً طويلاً عليها وهي تدكّ ليل نهار، في عملية تدمير ممنهجة لا تقلّ أبداً عن عملية التدمير الممنهج التي شاهدناها تمحو قرى ومناطق بأمها وأبيها في سوريا، ولو كان متاحاً لجيش الاحتلال السوري استخدام طيرانه العسكر في لبنان لكان قد محاه كلّه عن الخارطة، ولكان بدأ بالأشرفيّة في تموز العام 1978.

إذا كان صمود حزب الله في حرب تموز عام 2006 33 يوماً نصراً إلهياً، فماذا نسمّي صمود الأشرفيّة مئة يوم في مواجهة آلة القتل، معركة اضطرّ في مواجهتها الرئيس الراحل الياس سركيس لتقديم استقالته احتجاجاً، وسقطت فيها على الاشرفية وحدها قبل ساعات قليلة من إعلان موعد إطلاق النار في 31 آب 1978 نحو 3 آلاف قذيفة من مختلف العيارات، ولم تسقط الأشرفيّة.

من هناك، بدأت معركة التحرير الأولى للبنان من الاحتلال، فيما رزحت مناطق واسعة منه تحت الاحتلال، ولم تجرؤ على مواجهته، وكعادته العالم خلال الأيام المئة تلك، لم يكن له دور سوى أن يتفرّج على مسيحيي لبنان بعد مئة يوم عقد مجلس الأمن الدولي جلسة طارئة في 7 تشرين الأول وأصدر القرار رقم 436.