إستحوذت قضية المدارس الخاصة والتداعيات التي طالتها نتيجة إقرار سلسلة الرتب والرواتب على الحيّز الأكبر من اجتماع مجلس المطارنة الذي ترأسَه البطريرك الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي أمس. وبعدما طالبَ المجتمعون «الدولة بدفعِ رواتب المعلمين في المدارس الخاصة»، علمت «الجمهورية» مساءً أنّ اللجنة الأسقفية للمدارس الكاثوليكية برئاسة المطران حنا رحمة عَقدت اجتماعاً بعيداً من الإعلام في حضور مدير عام وزارة التربية فادي يرق لأكثر من ساعتين لتدارُسِ المستجدّات ومنعِ أيّ انتكاسةٍ قد تصيب السنة الدراسية. كذلك علمت «الجمهورية» أنّ نقابة المعلمين تدرس مع محاميها إمكانية المحاسبة القانونية للمسؤولين التربويين الذين يتمنّعون عن تطبيق السلسلة، فيما بعض لجان الأهل يتباحث إمكانية التحرّك باتّجاه وزارة التربية.
في الظاهر تبدو أنّها معركة أقساط قد تُطيح بالعام الدراسي وبمستقبل أكثر من 660 ألف تلميذ و33 ألف أستاذ في الملاك ونحو 19 ألف في التعاقد، إنّما في الباطن تتداخل المعارك وتتضارب معها المصالح ما بين أصحاب المؤسسات التربوية وأفراد الهيئة التعليمية والأهالي. لم يُشكّل إقرار السلسلة فتيلَ أزمة الأقساط فقط، إنّما تداعياتها أشعلت المعاركَ على الجبهات كافة، من التشكيك في الموازنات السابقة للمدارس، إلى الاختلاف حول منحِ الاساتذة الـ 6 درجات، إلى كيفية احتسابِ المستحقّات للمتقاعدين، وصولاً إلى تقاذفِ المسؤوليات في تحديد الجهة المولجة بتكبّدِ تكاليف السلسلة.
أين وصلت الأمور؟
بعد الزيارة التي قامت بها اللجنة الأسقفية للمدارس الكاثوليكية الشهرَ المنصرم، حاملةً معها قضية التلاميذ في قطاع التعليم الخاص كافّة وليس فقط في المدارس الكاثوليكية، إلى رئيس الجمهورية ميشال عون الذي اقترَح «أن تتولّى الدولة دفعَ رواتب المعلمين في المؤسسات التعليمية الخاصة شرط أن تلتزم هذه المؤسسات القواعد والأنظمة التربوية التي تضعها الدولة»، قامت هذه اللجنة بدراسة عن الكلفة الممكنة التي قد تتكبّدها الدولة. وبحسب مصدر تربوي مسؤول لـ«الجمهورية»: «تبيَّن أنّ الحل الأنفع لهذه السنة أن تتكفّل الدولة بتسديد الفروقات التي أحدثتها السلسلة، بالتالي يتسنّى للمدارس ترتيبَ أوضاعها للعام المقبل». وأضاف: «تبيَّن للّجنة الأسقفية أنّ على الدولة تكبُّد نحو 450 مليون دولار عن مجملِ تلاميذ القطاع الخاص، وبوسعِها تأمين هذا المبلغ من خلال الضرائب التي تجنيها والتي فرضَتها حديثاً»، مشيراً إلى أنّ «اللجنة ستقدّم نسخة عن الدراسة إلى رئيس الجمهورية ميشال عون». وتوقّفَ المصدر عند «موجة التملمُل لدى أصحاب المؤسسات التربوية تجاه النبرة التي يستخدمها ممثّلو الأساتذة في الآونة الأخيرة وتدنّي الأسلوب الذي لا يمكن أن يؤدّي إلى حلّ تربوي».
في موازاة ذلك، لفتَ رئيس اللجنة الأسقفية المطران حنا رحمة في حديث لـ«الجمهورية» إلى «أنّ الكنيسة بصورة عامة وبكركي تحديداً، تنظر إلى قضية التعليم كمسألة حياة أو موت، لأنّ إقفال أيّ مؤسسة تربوية يعني تغييرَ وجهِ لبنان الثقافي والقضاءَ على دور الرسالة فيه». وأضاف: «غبطة البطريرك على بيّنةٍ من الأمور كافّة، يُتابع التفاصيل وأعمالَ اللجان»، مرَحّباً «بإمكانية تكبّدِ الدولة كلفة الـ 6 درَجات وفروقات السلسلة لأنّ طموحَنا أن يكون الأستاذ مرتاحاً في صفّه والأهالي راضين، لأن ليس المهم إرسال circulaire بالأقساط في وقتٍ يتعذّر علينا تحصيلها».
لغم مِن نوع آخر
تزامُناً مع صرخة الأهالي الذين تبلّغوا زيادات على الأقساط قبَيل الأعياد، تعلو صرخة الأساتذة المتقاعدين، إذ تبيَّن أنّ المشكلة لا تنحصر فقط في الأقساط، إنّما تطال تقاعدَهم في ظلّ الاختلاف القائم على تطبيق السلسلة. إذ إنّ «أكثر من 800 أستاذ متقاعد في التعليم محرومون مِن رواتبهم من صندوق التقاعد منذ إقرار القانون 46»، وفق ما أكَّده نقيب أساتذة المعلمين رودولف عبود، موضحاً في حديث لـ«الجمهورية»: «أزمةُ صندوق المتقاعدين والتعويضات انعكاسٌ لمشكلة رفضِ إدارات المدارس الاعترافَ للأساتذة بـ 6 درجات أقرّتها السلسلة، لأنّ اعترافَ ممثّلي المدارس في احتساب الـ 6 درجات على مستوى صندوق المتقاعدين، يعني ضمناً اعترافَهم بها في مدارسهم، ما يُحمّلهم أعباءَ إضافية على رواتب أساتذتِهم». ويتابع عبود: «هناك 4 ممثّلين للمدارس في صندوق التعويضات، وهم القاضي عمر الناطور عن مدارس المقاصد، علي هيدوس عن المبرّات، الأخت أوغستين عون عن راهبات اليسوعيات، والأب بطرس عازار أمين عام المدارس الكاثوليكية. ما حدث أنّه صَدر قرار عن مجلس إدارة صندوق التعويضات بتطبيق القانون مع الـ 6 درجات. وعند صدور «تشيك» من صندوق التعويضات الذي يُوقّعه 3 أشخاص وهم، جمال الحسامي من نقابة المعلمين، الأب بطرس عازار عن المدارس، والأستاذ فادي يرق كرئيس مجلس الإدارة. سحب الأب عازار توقيعه، فباتت الأمور معلّقة».
وردّاً على انزعاج بعض المرجعيات التربوية من أسلوب النقابة وإمكانية لجوئها إلى القضاء بحسب بيانِها الأخير، قال عبود: «لا ندّعي أنّ هذا الأسلوب تربوي، ولكن في الأساس التعاطي مع القانون 46 من قبَل المدارس لم يكن أبداً تربوياً، وقد «طوّلنا بالنا كتير»، والآن انتقلنا إلى الوضع التنفيذي».
تقسيط السلسلة؟
أمّا عن طرح وزير التربية والتعليم العالي مروان حمادة إمكانية تقسيطِ السلسلة، قال عبود: «طالما اتّحاد المؤسسات التربوية لم يعترف بمنحِ الاساتذة 6 درجات، كيف بنا أن نرضى إذاً بتقسيط السلسلة؟ لذا قبل أن يتمّ أيّ اتّفاق على الحقوق كاملةً لن نخوض غمارَ إمكانيةِ التقسيط». وعن موقف الأساتذة من إمكانية أن تُسدّد الدولة رواتبهم، قال: «بصورة عامة لسنا ضدّ هذا الطرح، ولكن في الوقت عينِه ليس بوسعنا الانتظار ريثما تتحرّك الدولة وتنجِز دراستها وقدرتها على تكبّدِ تلك المصاريف لتنفّذ القانون».
وأعربَ عبود عن إنزعاجه من تهرّبِ بعض المدارس الكبرى من تسديد المستحقّات، قائلاً: «أكثر من 60 مليار ليرة قيمة الدين لصندوق التعويضات، المؤسف أنّ رئيس مجلس الإدارة وإدارة الصندوق يتغاضون عن هذه المسألة، علماً أنّ تلك المدارس والجمعيات تقتطع من رواتب الأساتذة تلك المستحقّات إلّا أنّها لا تُسدّدها!».
عازار يَخرج عن صمته
من جهته يَحرص أمين عام المدارس الكاثوليكية الأب بطرس عازار على التمسّك «بسرّية المداولات في داخل صندوق التعويضات»، ولكن بما أنّ الأمور طُرحت في العلن، لم يُنكِر في حديث لـ«الجمهورية»: «أنه وقّع على المحضر، إلّا أنّه تفاجَأ في اليوم التالي بتحويل المحضر إلى قرار اعتراف الصندوق بالدرجات الـ 6». وأضاف: «علماً أنّ القرار كان يحتاج إلى خطوات، كتقرير اللجنة القانونية، ودراسة عن مدى إمكانية تحمّلِ صندوق التقاعد تسديدَ تلك الدرجات، بالإضافة إلى أنّه جرى كلامٌ مع وزير التربية مروان حمادة عن أنّ الـ 6 درجات قيد الدرس وتحتاج إلى استشارات في وزارة العدل. لذا نظراً لعدم توافرِ كلّ هذه العناصر سحبتُ توقيعي عن المحضر».
والحلّ؟ يجيب: «بما أنّ موضوع الـ 6 درجات موضعُ خلاف وتجاذبات، فلنُسدّد للمعلمين الذين تقاعدوا حديثاً التعويضات السابقة بالإضافة إلى السلسلة، على أن نترك مسألة الدرجات مجمَّدة ريثما يتمّ الإتفاق حولها»، ناكراً أيّ حديثٍ «عن تمنّعِه على توقيع تعويضات خالية من الـ 6 درجات».
الأهالي: «اللي فينا مكفّينا»
حيال انفلاشِ المشكلات، يبدو الأهالي كمن بلغَ «نِص البير وقطعوا الحبلة فيه». فتُعرب رئيسة اتّحاد لجان الأهل في المدارس الكاثوليكية في كسروان الفتوح وجبيل ميرنا خوري لـ»الجمهورية» عن وضع الأهالي الذين لا يُحسَدون عليه، قائلةً: «نحن على موقفنا نمتنع من تسديد أيّ ليرة إضافية، «اللي فينا مكفّينا»، ونأسف لوجود نيّة في زيادة، ومعظمُ المدارس بدأت في تطبيقها». وأضافت: «المطلوب أن تُعيد المدارس النظرَ بموازناتها، وتدرس أين يمكن لها أن تخفّف الأعباء الثانوية مداراةً للوضع الاقتصادي المترهّل. وثانياً مطلوب قرار من الدولة، قرار وطني يُلزم المدارس بزيادة محدّدة، بالإضافة إلى رفعِ العبءِ عن كاهل الأهالي ومحاسبة المدارس المخالفة، فلِجان الأهل ليس بوسعِها مواجهة الإدارات وحيدةً». رحمة لـ»الجمهورية»: إقفال أيّ مؤسسة تربوية يعني تغيير وجه لبنان الثقافي
الأزمة تطاول أكثر من 660 ألف تلميذ و33 ألف أستاذ في الملاك ونحو 19 ألف في التعاقد