IMLebanon

معركة الربيع: لا معادلة ذهبية تغطي حزب الله في المواجهة المقبلة!

في الحسابات العسكرية خرائط وخطط لتأمين حماية لبنان وفي السياسة حسابات أخرى

 معركة الربيع: لا معادلة ذهبية تغطي حزب الله في المواجهة المقبلة!

الضربة الاستباقية في جرود رأس بعلبك قد تتكرر لكن لن تصل إلى تنسيق لبناني – سوري في المدى المنظور

حين تحدّث في خطابه الأخير عن استحقاق ما بعد ذوبان الثلج على السلسلة الشرقية، كان واضحا أن الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله  يمهّد الطريق أمام معركة الربيع المقبلة في جرود القلمون، ويرسل الرسائل في غير اتجاه. بداية  إلى جمهوره وبيئته الحاضنة  بأن المعركة هي معركة حتمية آتية لا محالة، مهما كانت قاسية ومهما كانت أكلافها، ولاقته وسائل الإعلام المحسوبة على الحزب والقريبة منه ومعها المحللون السياسيون الذين يدورون في فلك فريق الثامن من آذار بتحضير الأجواء النفسية لمثل هكذا معركة.

حتمية المعركة تنطلق، وفق قراءة عسكرية، من أن «حزب الله» سيكون أمام احتمالين لا ثالث لهما: إما أن يُقدم على ضربة استباقية للمجموعات المسلحة في جرود القلمون من جرود بريتال حيث تتواجد مواقعه، فيكون في موقع الهجوم، وإما أن يكون في موقع التصدى لهجمات ستشنها تلك المجموعات لدى تحسن ظروف المناخ القاسي في الجرود حيث تراكم الثلوج يعيق راهناً إمكانية الهجمات التي كانت بدأت بشنها بشكل خاطف ومفاجئ على مواقعه قبل أن يطل فصل الشتاء، واحتلت يومها بعض النقاط له قبل أن يعود الحزب إليها بعد انسحاب المسلحين منها.

على أن تأمين نجاح تلك المعركة يتطلب جملة من المتطلبات الامنية والعسكرية والسياسية والشعبية لاتزال غير متوافرة، فجاءت رسالته التانية في اتجاه الدولة التي طالبها بان تحزم أمرها. رسالة عنوانها البريدي الحكومة، التي عليها ان تقلع، حسب مفهوم نصرالله، عن سياسة النأي بالنفس، لتعاود التنسيق  مع الحكومة السورية، ولتوفر الغطاء السياسي  للجيش اللبناني ليعاود هو بدوره التنسيق من الباب العريض مع الجيش السوري لاحكام الطوق على المجموعات المسلحة بين الحدود اللبنانية-السورية.  وجاءت رسالته الثالثة في اتجاه الشعب الذي عليه ان يحزم أمره، الذي راى مراقبون سياسيون انها تتعدى توفير الغطاء الشعبي للمعركة إلى الدفع باتجاه استنساخ تجربة «الحشد الشعبي» في العراق من خلال توسيع رقعة المشاركة الشعبية المسلحة والمجموعات الميليشاوية المندرجة تحت مسمى «سرايا المقاومة

 وفي رأي مطلعين سياسيين ان العقبة التي تواجه الحزب ادراكه الا امكانية لتوحيد المعركة ضد التنظيمات المسلحة السورية سواء المعتدلة او المتطرفة على الحدود مع سوريا، تماهيا مع معادلته الذهبية «المقاومة والجيش والشعب» التي جسدها في مواجهة اسرائيل والتي أدرجها في البيانات الوزارية، رغم تحفظ  بعض القوى السياسية عليها، وأفضت إلى تنسيق عال وتعاون  مع المؤسسات الامنية  والعسكرية وتغطية  لاعمال الحزب العسكرية وممارساته المسلحة الداخلية تحت مسمى «المقاومة». ففي الازمة السورية، تختلف المسألة، حيث هناك انقسام في الرأي والموقف مما يجري في سوريا  ومن انخراط الحزب في الحرب الدائرة هناك، لا بل يتم تحمييله مسؤولية استدراج التنظيمات المتطرفة  إلى لبنان، في ظل «مذهبة» الصراع وتحول سوريا إلى ساحة مواجهة اقليمية يشكل الحزب فيها ذراعاً عسكرية لايران.

  ورغم ان التطورات المتسارعة منذ سيطرة «داعش» على اجزاء واسعة في العراق وسوريا، وبعدها هجوم عرسال والهجمات على مواقع الجيش في المناطق الحدودية مع سوريا قد أظهرت ان مخاطر حقيقية من امكان اقدام تنظيم «الدولة الاسلامية» على محاولة التمدد باتجاه الاراضي اللبنانية، فان ثمة معياراً واضحاً لدى الحكومة في كيفية التعامل مع هذا التحدي،  بحيث ان تأمين دعمها للقوى العسكرية الشرعية وفي مقدمها الجيش وتوفير الغطاء السياسي لعملياته العسكرية تصب في اطار حماية القرى الحدودية وابنائها والمواقع العسكرية  من اي اعتداء. وتأتي الضربة الاستباقية امس في جرود رأس بعلبك في هذا السياق، ولاسيما بعدما سبق ان دفع الجيش عددا من الشهداء في تلة الحمرا في المنطقة نفسها. وهي خطوة قد تتكرر في ضوء الحاجات العسكرية وما تتطلبه حماية الاراضي اللبنانية، لكنها لن تصل في ظل التعقيدات السياسية الداخلية والاقليمية إلى حدود توافر القرار السياسي الجامع لهجوم شامل على تلك التنظيمات لدفعها إلى الداخل السوري، ذلك ان تلك العمليات الهجومية العسكرية الكبرى تحتاج إلى تنسيق عسكري لبناني – سوري، الامر الذي لا يمكن تحقيقه في المدى المنظور.

  على ان الدعم التي يتجدد مع كل عمل عسكري للجيش او تحدي يواجه لا يمكن ان ينسحب  على «حزب الله»، حتى لو حصلت معركة القلمون القادمة، ولا يمكن لتلك المعركة ان تكسبه شرعية او ان تجعله يتنزع شرعية في  حربه تلك. وما يساعد في ذلك ان لا تداخل بين المناطق التي يتواجد فيها الحزب على السلسلة الشرقية، والتي يتحضر لشن هجوم منها، وبين المناطق التي يتواجد فيها الجيش والذي تتركز بشكل اساسي على شريط القرى المسيحية والسنية في البقاع الشمالي. لكن ذلك، في رأي مراقبين عسكريين لا يعني ان الجيش سيكون بمنأى عن تلك المعركة، فجرود بريتال متداخلة مع جرود عرسال وجرود رأس بعلبك، واي محاولة لدحر المسلحين سيدفع بهؤلاء إما إلى التراجع نحو الداخل السوري او بالانسحاب إلى جرود عرسال ومحيطها، الامر الذي سيعجل الجيش في مواجهة مباشرة معهم خصوصاً اذا ما حاولوا التمدد في اتجاه القرى الحدودية، ولا سيما تلك التي يتواجد فيها مخيمات النازحين السوريين او التي تعتقد انه في هكذا معركة يمكن لتلك الجماعات ان تجد بيئة حاضنة ومساندة لها.

في الحسابات العسكرية تفتح الخرائط وتدرس الخطط بما يتناسب مع كيفية تأمين مستلزمات حماية لبنان حيث المخاطر… لكن في السياسة ثمة حسابات اخرى ولا سيما إذا ما كان هناك فريق يسعى إلى استثمار استئثاره بالسلاح لتحقيق مكاسب سياسية في الداخل ولخدمة لمشروعه الإقليمي. تجربة «حزب الله» لن تتكرر مرّة أخرى، ولا «ثلاثية ذهبية» في هذا النوع من المواجهات والمعارك.