المشهد في الذكرى الثالثة والسبعين للاستقلال ليس مطابقا لما كان مأمولا فيه بعد ملء الشغور الرئاسي. ومن الصعب، وسط المناخ الايجابي الذي حدث بانتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية وتكليف الرئيس سعد الحريري تأليف الحكومة، تجاهل ما نراه من اشارات سلبية. والأصعب هو الهرب من الأجوبة عن الأسئلة حول صورة الجمهورية وعمق التسوية الرئاسية في الداخل وأبعادها الاقليمية، وحدود الاستقلالية والسيادة. فلا في العقد الوزارية المعلنة واحدة تستحق ان تفرض الوصول الى عيد الاستقلال من دون حكومة في مطلع العهد الجديد. ولا عرقلة التأليف هي الرسالة الوحيدة التي سبقت العرض العسكري.
ذلك ان من السذاجة تصور السجالات التي فرملت تأليف الحكومة صاعقة في سماء صافية. فما بدأه الرئيس نبيه بري ردا على كلام للرئيس عون في بكركي الى جانب رد من الشيخ عبد الأمير قبلان على كلام للبطريرك بشارة الراعي، استكمله ب توضيح لا رد على كلام للرئيس الحريري. الرد على رئيس الجمهورية الذي تحدث عن الوهن في المؤسسات ومسؤولية التمديد للمجلس النيابي عنه جاء تحت عنوان الدفاع عن المجلس وشرعيته، مع معرفته ان التمديد ليس خارج أسباب الوهن. والرد على الرئيس المكلف الذي سئل عمن يعرقل التأليف فقال: اسألوه، جاء تحت عنوان التمسك بالدستور وقواعد تأليف الحكومات، مع معرفة الجميع ان مخالفة الدستور صارت رياضة وطنية.
والسجال ليس هدفا في حدّ ذاته بل وسيلة لتحقيق هدف. والسؤال هو: ما الهدف؟ ضغط للحصول على الحقائب المطلوبة أم القول باسم الثنائي الشيعي: الأمر لي؟ تصعيب الأمور ليصبح تأليف الحكومة مثل أكل السفرجل كل لقمة بغصّة أم تكريس قواعد جديدة لتأليف الحكومات؟ وهل هو الايحاء ان رئيس الجمهورية في المنصب لا في السلطة؟
مهما يكن، فان ما حدث ليس التغيير بالخروج من الستاتيكو بل تبدّل في مواقع ومواقف داخل الستاتيكو. أما التغيير، فانه لن يحدث إلاّ في الانتخابات شرط ان تجرى على قانون يضمن التمثيل الصحيح والسليم. وأهم تبدّل في الستاتيكو على طريق التغيير هو تفاهم معراب بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية ثم وصول الرئيس عون الى قصر بعبدا. وكل الرصاص السياسي يتم اطلاقه على تفاهم الثنائي المسيحي ثم تحالفه. إذ الحسابات لدى عدد من الشخصيات وزعماء الطوائف مبنية على الخلاف بين أكبر قوتين مسيحيتين. وهم يبدون غير مستعدين ولا جاهزين لانتخابات يصعب تقدير نتائجها اذا خاضها الثنائي المسيحي متحالفا.
وتلك هي المسألة، الى جانب حسابات المحاور الاقليمية.