IMLebanon

حيثيات معركة ملالي إيران دفاعاً عن الأسد

 

المعركة التي تخوضها إيران والميليشيات، التابعة لها، دفاعاً عن النظام الأسدي المتهالك، تدفع إلى التفكير في طبيعة المشروع الإيراني في المنطقة، وعما يريده نظام الملالي من سوريا. 

وينحو التفكير باتجاه الحيثيات التي تجعل نظام إيران الإسلامي يخوض معركة مكلفة، دفاعاً عن رصيفه السوري، دون أن يحسب مدى تأثيرها على شعوب المنطقة ودولها، وعلى مآل المشروع الإيراني نفسه، وامتداداته الإقليمية والدولية، التي يجسدها ارتباطه بشبكة تحالف صلبة، ذات نسيج مذهبي الظاهر، يخفي باطنها أهدافاً متعددة، لا يحصرها الحفاظ على الدور الإقليمي الإيراني، وعلى تركيبة النظام الإيراني والقوى الميليشيوية التابعة له في المنطقة، بل تمتد إلى تأبيد وتأليه رموزها، ومصادرة حقوق العامة، واحتلال الفضاء العام، وبسط هيمنات وأجندات مذهبية وعرقية الطابع. 

ولعل إرهاصات معركة الدفاع عن النظام الأسدي التي يخوضها النظام الإيراني منذ بداية الثورة السورية، تكشفت عن مضمرات، ما كانت لتظهر، لولا إحساس ساسة النظام الإيراني وآياته، بأن النظام الأسدي بات في حكم الماضي، ويعيش مرحلته الأخير، الأمر الذي أخرجهم عن طورهم «الهادئ» أو «الناعم»، وكشف ملامح مشروعهم القومي التوسعي. 

ويبدو أنه فإنه كلما ضاق الخناق على النظام الأسدي، كلما فرطت أعصاب ساسة إيران الرسمية، وبشكل يفضح تحولهم إلى قوة احتلال في سوريا، بعد أن تورطوا فيها، وراحوا يستخدمون «الأزمة السورية» كورقة في المفاوضات والصفقات مع الولايات المتحدة الأميركية والغرب، الأمر الذي يكشف طبيعة وتركيبة العقلية، المتحكمة في ساسة النظام الإيراني، ويشير إلى النهج الذي اتبعوه في معاداة الثورة السورية، مقابل الدعم الهائل للنظام السوري، قرين نظامهم في النهج والممارسة والتوجهات، وإلى حجم التورط والتورّم الذي أصابهم، كي يحافظوا على نسيج شبكتهم التي نسجوها في المشرق العربي، ورفعوا عليها يافطة «محور الممانعة»، التي كشفت الثورة السورية زيفها وتهافتها، بعد أن دخل النظام السوري وحلفاؤه في دائرة بركان ثائر، لن تهدأ حممه وحمولاته، إلا بإسقاط أصحاب الرؤوس الحامية، الذين يتصرفون وكأنهم قادة دول عظمى، في وقت لا تظهر عظمتهم الجوفاء، إلا على شعوبهم، في صور إقصاء وقمع وخراب وقتل العزل.

كان الأجدى بالنظام الإيراني أن يحسب بدقة ارتدادات وإرهاصات معركة دفاعه عن حكام محافظته الخامسة والثلاثين، وأن يصرف مليارات الدولارات المهدورة، لتلبية احتياجات حياة الناس في المحافظات الإيرانية. واقتصاد إيران أولى بتلك الأموال، خصوصاً وأن عامة الإيرانيين ترزح تحت وطأة فساد وتسلط مافيات، وممارسات نظام مارق، استمرأ مقارعة الكبار، كي يستكبر على شعبه، وعلى السوريين، وراح يتفاخر ويتاجر بثقل العقوبات الاقتصادية الأميركية والأوروبية، وهو يعرف أن الأنياب النووية التي يطمح إلى امتلاكها، لن ينالها إلا على حساب إفقار غالبية الإيرانيين، بعد أن أفقر حياتهم السياسية، وصادر مجالهم العام، لصالح إطلاقية ثيوقراطية، تسودها سطوة ما يقرره الولي الفقيه، لصالح تحكم الملالي بمقدرات وقدرات الشعوب الإيرانية.

غير أن الثمن الذي يدفعه النظام الإيراني، يصرف في الحقيقة على معركة دفاعه عن مجال نفوذه، الذي يمتد من العراق إلى لبنان وصولاً إلى اليمن وما بعدها. وربما لن يتوقف الأمر عند هذا الحدّ، لكن تعامل ساسة إيران مع الوضع في سوريا، وكأنه القضية الأهم بالنسبة إليهم في منطقة الشرق الأوسط، يدعو إلى النظر في آلية تفكير ساسة النظام الإيراني، وتلمس الأسباب والحيثيات التي جعلتهم، يرسلون جنرالات ومقاتلي الحرس الثوري إلى للقتال في درعا والقنيطرة وحلب وغير ذلك من المناطق السورية.

ويذهب التفكير في أبعاد الدور الإقليمي لإيران إلى المشروع الفارسي الارتدادي، الذي يضرب عمقه في التاريخ، وتحكمه مرجعيات الثأر من عرب اليوم، لمعارك ومواجهات قديمة، لم يخضها عرب اليوم، ولا يسألون عنها، بالرغم من أنهم يشكللون الآخر المختلف معه، مذهبياً وعرقياً، حسب التصنيف الإيراني، مع العلم أن العرب الذين دخلوا بلاد فارس، في غابر الأزمان، دخلوها كمسلمين، وفاتحين، ولم يكنوا العداء للشعوب الإيرانية التي دخلت الإسلام دون إكراه.

والناظر في عقلية المتشددين في إيران، يجد أنهم دعاة مشروع إيديولوجي، يتخذ تلاوين مختلفة في المنطقة، ويقف وراءه عقل سياسي، يزاوج ما بين الديني والقومي، أي ما بين العقيدة المؤولة مذهبياً، وفق فهم رجال دين متزمتين، وبين الطموح القومي الضارب في عمق الإيديولوجيا والتاريخ الغابر، الأمر الذي يجعل منه مشروعاً جامعاً ما بين السعي إلى الهيمنة والإلحاق وإلى التغيير، وهادفاً إلى تحقيقهما بمختلف الوسائل، المشروعة وغير المشروعة.

ومنذ عدة عقود يحاول ساسة النظام الإيراني تنفيذ معادلات، تنهض على قيام إيران بدور الدولة المحورية بأسنان نووية، كي تتزعم المشرق الإسلامي تحت يافطة ذرائعية، فحواها الصراع مع إسرائيل ومجابهة الولايات المتحدة الأميركية. وهي يافطة شعاراتية فارغة، لأن هذا النظام سارع على الدوام إلى مهادنة المشاريع الأميركية والاستفادة منها، بل وساعد الإدارات الأميركية، التي تعاقبت على البيت الأبيض، على تنفيذ مرادها في أفغانستان وفي العراق وغيرهما. 

يبقى أن النظام الإيراني يعيش إخفاقات داخلية على مختلف الصعد، ولا يكل عن بحثه المحموم في تعويض تلك الإخفاقات، سوى التلويح بالبرنامج النووي، وبمدّ الأذرع التدخلية، لإشعال حروب جديدة، واللعب على وتر العصبية القومية، المسبوغة ببلوثة التفوق الآري، الممزوجة بوهم التفوق المذهبي وولاية الفقيه، وما ينتج عن ذلك من عنصرية قومية دينية مركبة، يبيعها نظام الملالي، بدلاً من أن يتلفت إلى حاجات ومشاكل غالبية الإيرانيين المسحوقين، والتصالح مع عالم اليوم على أسس المصالح المشتركة، واحترام حقوق الإنسان، والديمقرطية، وسائر قيم العصر.