IMLebanon

من معركة الشخص الى معركة المشروع

سيكون على القيادات الحزبية والروحية المسيحية التي تولّت على مدى الأشهر الماضية إدارة ملف إنتخابات رئاسة الجمهورية أن تبدأ في أقرب فرصة ممكنة بالتفكير في إيجاد التوقيت والظرف المناسبين لإعادة النظر في السياسات التي اعتمدت في التعاطي مع هذا الملف، خصوصاً في ظل المؤشرات المتزايدة محلياً وإقليمياً ودولياً، على أن التحركات التي بدأها الرئيس سعد الحريري لن تؤدي في الضرورة الى انتخاب رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون وفقاً لما يتمناه البعض ويراهن عليه.

فالخروج من جلسة 31 تشرين الأول الجاري ببيان جديد يصدره رئيس مجلس النواب نبيه بري ويتضمن موعداً جديداً لجلسة جديدة بتاريخها – قديمة بمضمونها ونتائجها – ينبغي أن يُجابه هذه المرة بجرأة أدبية وسياسية تؤدي الى الإقرار بأن الإستراتيجيات والتكتيكات التي اعتمدت لإيصال عون الى رئاسة الجمهورية استنفدت واستنفد معها الكثير من قدرات اللبنانيين عموماً، والمسيحيين خصوصاً على التحمّل.

أما المضي في سياسة «الهروب الى الأمام» والرهان على الوقت والمتغيرات، واعتماد سياسة شفير الهاوية للضغط على رافضي انتخاب عون من جهة، أو التحجّج بمقولة الرغبة بحشر «حزب الله» وكشف حقيقة نواياه الرافضة لانتخاب رئيس للجمهورية حتى ولو كان النائب عون من جهة مقابلة، فكلها أمور لن تؤدي إلّا الى مزيد من استنزاف اللبنانيين وإضعاف المسيحيين وإحباطهم، علماً أن الوقائع والمعطيات الراهنة لا تعني في الضرورة أن المسيحيين محكومون بحالة العجز التي يصرّ البعض على إظهارهم فيها.

إن الواقعية السياسية باتت تفرض على القادة والزعماء المسيحيين فك الإرتباط بين وصول عون الى رئاسة الجمهورية من جهة، وقوة المسيحيين وحضورهم في الحياة السياسية اللبنانية من جهة مقابلة.

فالتمسك الى ما لا نهاية بوصول عون الى بعبدا كمعيار لقوة المسيحيين بات شبه انتحار سياسي جماعي لا يجوز المضي فيه أو التشجيع عليه، في وقت يفترض بالفكر السياسي المسيحي الحزبي وغير الحزبي أن يبتكر من الأفكار والمشاريع السياسية والإقتراحات والمخارج الخلاقة التي تنقل المسيحيين من حالة «الرثاء» الى حالة من الدينامية المحركة للإقتراحات ومشاريع الحلول التي يحتاجها لبنان بمسيحييه ومسلميه، بدل المضي في مكابرة بدأت في العام 1988 ولم تنته بعد!

إن ربط مصير مجتمع بموقع شخص ودوره يضعف هذا المجتمع ولا يقوّيه. وكما أن الدول القوية لا تقوم إلّا على المؤسسات وليس على الأشخاص، هكذا فإن المجموعات الحضارية والحزبية والسياسية التي تقوم على الأشخاص محكومة بالضعف ومحدودية التأثير في الزمان والمكان.

وإذا أراد القادة المسيحيون فعلاً تعزيز دور من يمثلون، فالبداية تكون بفك الإرتباط بين طموحات الأشخاص – أيا يكن هؤلاء الأشخاص ومهما بلغت مراتبهم ومواقعهم ومشروعية طموحاتهم – وبين المصلحة العامة.

ففشل زعيم في الوصول الى رئاسة الجمهورية لا يجوز أن يصوّر على أنه فشل للمسيحيين في لعب الدور الذي يطمحون للعبه على المستويين السياسي والوطني.

وفشل سياسة ما وضعها أو تبنّاها زعيم مسيحي أو أكثر في تحقيق أهدافها، لا يجوز أن تصوّر على أنها هزيمة سياسية للمسيحيين كمجموعة.

من هنا، تبدو الحاجة ملحة اليوم الى الإنتقال من معركة الشخص الى معركة المشروع السياسي في التعاطي مع ملف رئاسة الجمهورية. فمن غير الجائز أن تتحول إنتخابات رئاسة الجمهورية الى ما يشبه «اللوتو» أو «اليانصيب» بحيث تحدّد طابات الحظ ودواليبه شخصية من سيتولّى الرئاسة بعد استكمال دوراتها العشوائية على جميع المرشحين – الأرقام.

لا يختلف عاقلان على أن لبنان يعيش اليوم بمسيحيّيه ومسلميه أدق مراحل تاريخه، وهو بالتالي في حاجة الى مشروع إنقاذي يتضافر القادة على تطبيقه بما ينقذ الشعب من خلال تعويم منطق الدولة، وليس من خلال تغليب منطق الطموحات والحسابات الشخصية القريبة والبعيدة، المباشرة وغير المباشرة.

فهل ينتقل من أخذ على عاتقه إدارة معركة رئاسة الجمهورية عند المسيحيين من موقع تقديم الأسماء الى موقع طرح المشروع الإنقاذي الذي من شأنه إعادة إحياء مفهوم الدولة كمرجعية حصرية لكل القرارات والسلطات باعتبارها هي – لا الشخص، أيّ شخص – الضامن لحقوق المسيحيين والمسلمين ولدورهم المتكافىء في إدارة الحاضر وبناء المستقبل؟

عضو الأمانة العامة لقوى «14 آذار»