معركة الملف النووي انتهت الى معادلة رابح – رابح عبر اتفاق اطار بين ايران ومجموعة ٥١. لكن عملية التفاوض دارت بشكل كبير بين الوفدين الأميركي والايراني، بحيث رقص المجتمع الدولي على اللحن الذي عزفه الوزيران جون كيري ومحمد جواد ظريف. فالرئيس باراك أوباما ربح رهانه على أن يحقق بالديبلوماسية ما يصعب تحقيقه بالقوة والعقوبات: منع طهران من امتلاك سلاح نووي. والرئيس حسن روحاني ربح رهانه على تأكيد سلمية المشروع النووي لرفع العقوبات عن ايران من أجل أن يبدأ ورشة التنمية البشرية والاقتصادية وما سماه التعامل البناء مع العالم. وكل طرف يركز على ما ربحه من نقاط قوة في مسعى لتسويق الاتفاق في مواجهة المعترضين عليه: التيار المحافظ جداً في ايران بالنسبة الى روحاني، والكونغرس الجمهوري واسرائيل وبعض حلفاء أميركا العرب بالنسبة الى أوباما.
لكن الأنظار مشدودة عملياً الى معركة ما بعد الاتفاق النووي. وهي بالطبع معركة النظام الاقليمي وترتيب الأدوار والنفوذ فيه. فالاتفاق يرسم، بطبائع الأمور، خطاً فاصلاً بين مرحلتين في التعاطي الأميركي – الايراني. مرحلة الصدام بين الشيطان الأكبر ومحور الشر. ومرحلة التفاهم والتعاون بين قوة دولية عظمى لم يعد الحوار المباشر معها نوعاً من التابو وبين قوة اقليمية عظمى مرشحة للخروج من لائحة الدول الراعية للارهاب. مرحلة تجنيد كل القوى والموارد الممكنة في محور الممانعة. ومرحلة الحاجة الى مراجعة الوظيفة التي أعطيت للممانعة وحققت بعض المكاسب، بحيث تصبح الممانعة مجرد طريق آخر أطول من الطريق العادي يقود في النهاية الى العلاقات الطبيعية مع أميركا إن لم يكن الى المصانعة.
وليس خارج المألوف أن يستعجل كثيرون تبلور الصورة ويبالغ كثيرون في تصور ما يحدث. فلا نقص في الخيال والمبالغة داخل ايران ولدى انصارها كما لدى خصومها. ولا غرابة في أن نسمع من يقول إن أميركا سلمت المنطقة لايران أو سلّمت بالأمر الواقع الذي فرضته طهران، ومن يقول العكس، وهو ان ايران مجبرة على ان تدفع بالعملة الاقليمية ثمن العلاقات مع واشنطن. لكن الواقع ان المسار معقد وطويل وبطيء، بصرف النظر عن كون التحولات لا سابق لها. فالثابت حتى الآن ان ايران تنازلت عما لا تحتاجه للحصول على ما هي في حاجة ماسة اليه. والملموس هو انها أكملت الشرعية الإلهية الممثلة بالمرشد الأعلى علي خامنئي والشرعية الشعبية الممثلة بالرئيس روحاني عبر استعادة الشرعية الدولية بالاتفاق مع الدول الست الكبرى.
والسؤال هو: الى أي حد تستطيع أو تريد طهران التخلي عن شعار الموت لأميركا الذي يضعه خامنئي بين أسس شرعية النظام؟