Site icon IMLebanon

معركة طرابلس: القرار لمَن؟

غداً صباحاً تفتح الصناديق في طرابلس وتغلق لتفتح عند السابعة مساءً معلنة فرز نتائج الاحجام والخيارات. لم يسبق لمعركة انتخابات بلدية أن خيضت بهذا «الدوز» العالي من السياسية، كما لم يسبق للمدينة أن تعرّضت لاختبار أو استفتاء يحصل داخل البيت الواحد.

استعملت كلّ الاسلحة في معركة طرابلس والخفي منها أكثر من الظاهر. بالنسبة إلى تيار «المستقبل» كان الخيار منذ البداية محصوراً بين احتمالين، إما التحالف مع الرئيس نجيب ميقاتي والوزيرين محمد الصفدي وفيصل كرامي، وإما التفرّج على ما يجري من بعيد، وارتأى الرئيس سعد الحريري الدخول في تحالف مع هذه القوى التي شاركت في متمّمات إسقاط حكومته في العام 2010.

وبدا واضحاً بعد إعلان التحالف أنّ صفحة جديدة وُلدت بين الحريري وميقاتي، لا بدّ أن تكون مقدّمة لتحالف انتخابي لا مفرّ منه، علماً أنّ شروط التحالف النيابي المقبل لن تكون مختلفة كثيراً عن شروط التحالف البلدي الذي سجّل تراجعاً من «المستقبل» لصالح ميقاتي، الذي عرف كيف يستغلّ الخلاف بين الحريري واللواء أشرف ريفي حتى الثمالة.

وبدا في الأيام الأخيرة أنّ ماكينة ميقاتي كانت الأكثر نشاطاً في اللائحة الائتلافية، وأنّ ميقاتي هو عراب اللائحة، وهو الاقدر على قطف ثمارها في حال حقّقت فوزاً واضحاً، إذ إنه يتطلّع الى ما بعد الانتخابات البلدية، وعينه على ما ستفرزه من احجام.

في المقابل، شعر اللواء ريفي منذ البداية بوجود نية لمحاصرته في طرابلس، وهو استعدّ جيداً لخيار واحد هو الذهاب للمعركة.

عند بدء طبخ اللائحة التوافقية، أرسل مستشار ميقاتي خلدون الشريف إلى اللواء ريفي، يعرض عليه حصته في اللائحة. ثلاثة اعضاء في بلدية الميناء وثلاثة في بلدية طرابلس. رفض ريفي العرض وأرسل لمَن يهمّه الامر، بأنه يعتبر ما يجري محاصصة مكشوفة ومرفوضة، فعاد العرض من جديد: «نُعطيك أربعة اعضاء في طرابلس واربعة في الميناء»، فردّ ريفي رافضاً: الموضوع ليس أرقاماً وأعداداً وحصصاً، بل رفض للمحاصصة.

كان الجميع على موعد مع اتفاق حتمي، فحصل الاتفاق بعد مفاوضات أدّت الى توزيع الاعداد على الاطراف، ونال ميقاتي رئاسة اللائحة، وحصّة وازنة فيها، مبدياً استعداده لتمويل المعركة التي انطلقت بقناعة من المؤتلفين بأنّ أحداً لن يجرؤ على تشكيل لائحة مواجهة، وأنّ اللواء ريفي سيكون أمام خيار الجلوس في منزله، وإصدار بيان هروب يترك فيه الحرية للناخبين، لكنّ العكس حصل.

بعدما أعلن ريفي لائحته، اتجهت لائحة التوافق الى اعتماد سياسة التهويل على القاعدة الشعبية لريفي، فبدأت ببثّ أخبار ومعطيات واستطلاعات تُرجّح فوز اللائحة بالضربة القاضية، وما لبث ذلك أن تغيّر تدريجاً، بفعل الوقائع على الارض ونتائج الاستطلاعات الرصينة، التي أعطت لريفي حيزاً شعبياً صلباً، وهو الحيّز الذي يضعه فرقاء التوافق تحت المجهر، لتبيان حجم الاصوات التي ستنطلق بها لائحة «قرار طرابلس» المدعومة من ريفي، علماً أنّ قوى لائحة التوافق تتحدث عن أنها تنطلق من أكثر من عشرة آلاف صوت، سوف تدفع بهم الماكينات الى الصناديق في ساعات الصباح الاولى.

كان ريفي قد بدأ منذ وقت وبصمت تحضير ماكينته الانتخابية، لكنّ الاستعداد الاهم كان الانتخابات نفسها التي تخوضها قاعدة ريفي للمرة الاولى منفردة وبهوية مستقلة. بدأت المعركة بشبه حصار اعلامي تعرّض له ريفي، فكان توجّه لاستعمال اعلام العصر، أي اعلام التواصل الاجتماعي، وقد تركزت الحملة الاعلامية في وسائل التواصل التي أثبتت أنها بديل فعلي للكثير من الشاشات المحجوبة.

الاختبار الأبرز بالنسبة إلى ماكينة ريفي، كان ريفي نفسه الذي ذهب الى أهل طرابلس، في شوارعهم وأحيائهم خصوصاً منها التي لا تُزار، ولا تقبل أيّ نوع من الزوار.

سلسلة طويلة من اللقاءات الشعبية في شوارع القبة والتبانة والاسواق، كانت كافية لاستخلاص استطلاع رأي ميداني، لن تُعرف نتائجه إلّا بعد فرز الصناديق، لكنّ ريفي كان بعد كلّ جولة الأقل تفاجؤاً، من المحيطين به، بحجم الاستقبال الشعبي الذي لقيه، في أحياء تشكل الخزان البشري لطرابلس، التي ستكون غداً على موعد استفتاء مهم في تاريخها، الذي سيرسم اتجاهها لأكثر من ست سنوات مقبلة.