Site icon IMLebanon

معركة زحلة وحليب السباع

في ربيع 1981 تعرَّضَت زحلة، عروس البقاع لعملية خطف، فخلَعتْ ثوب العرس الأبيض وارتَدَتْ اللباس المرقَّط فارساً يواجه الراجمات بقناني العرق الفارغة.

يومها… خاضت زحلة معركة البقاء بلسان كليوباترا الى الأمبراطور أوغسطوس: «أتجهل أننا آثرنا الموت على حياة فيها العار والذل والهزيمة؟».

ويومها… قدَّمت زحلة من حياتها ضريبة الحرية عن جميع اللبنانيين وجميع المناطق وجميع المؤمنين وجميع الكافرين وجميع الذين سقطوا ضحية تجربة الشيطان.

واليوم… وفي ربيع 2016 تدفع زحلة ضريبة ديمقراطية عن جميع الذين انتصروا فيها وجميع الذين خسروا، فالمنتصرون ليسوا منتصرين عليها، والخاسرون فيها ليسوا خاسرين.

وحَسْبُ زحلة في معركتها البلدية أن تردّد أيضاً بلسان الأمبراطور أورليانس الروماني عندما شنّ حرب الإنتصار على زينب ملكة تدمر فقال: يتحدث الرومان بأنني أحارب إمرأة، لقد كان الخطر أقلّ لو كنت أحارب رجلاً، لأن زينب لا تقاتل قتال النساء وإنما تدافع عن نفسها دفاع المستبسل المتشبّث بالبقاء.

حسناً فعلتْ مريام سكاف في خوض المعركة مستقلَّةً «بكتلتها الشعبية» ولم تلتحم بكتلة أخرى، فأثبتت وجودها وأبرزت ثقلها الشعبي الراجح، واستطاعت وحيدة أن تتكافأ مع الحلف الثلاثي المقدس وأن تواجه الحصار الرباعي وتنتصر.

بعدما بسطَتْ اليدين انفتاحاً على الكتلتين وترحيباً بعقْد الخناصِر فقوبلتْ بداء الضرائر، فضَّلتْ وريثة الزعامة الزحلية أن تجرع الدواء المرّ، على أساس أن الأدوية المرّة، وإنْ هي سبَّبت الألم الموقت إلا أنها أكثر فعالية للمعالجة، فحقَّق الدواء «المريامي» رقماً إنتخابياً قياسياً كان ليُطْمس مغموراً بأرقام الآخرين لو أن الكتلة الشعبية تحالفت مع كتلة إنتخابية أخرى، فيما ارتبط هذا الرقم القياسي مع استقلاليتها بالزعامة الزحلية ولوائها.

ولأنّ لمدينة زحلة خصوصية معيّنة، ورمزية خاصة، ووجهاً مميَّزاً لا يصح أن يعتريه التمويه والإحتواء والتشويه، فإنّ أي معركة فيها يجب أن تراعي هذه الخصوصية، على أساس أن الذين يعيشون في روما يجب ألّا يختلفوا مع البابا.

إنَّ أبرز ما يُستَخْلص من انتخابات زحلة والبقاع أنها سجّلت مع انتخابات بيروت يقظة شعبية تتخطَّى هيمنة الأحزاب، وأن نشوة النصر في: «زحلة بلدنا والعرق مشروبنا» لا تستأهل الإبتهاج بقرع الأجراس، ولو أدَّى شرب العرق الى فقدان الصواب حتى آخر حدود اللاَّوعي.