تنتظر بلدية راشيا معركة قاسية بين لائحة زياد العريان والشيخ سهيل القضماني ولائحة الوزير وائل أبو فاعور التي يرأسها بسام دلال. المعركة في راشيا أبعد من بلدية، فهل يخضع مركز القضاء وقدامى الاشتراكيين للوزير الشاب الذي يخوض المعركة كما لو أنها تدور يوم 14 آذار 2005؟
لا يُحسد الوزير وائل أبو فاعور على الجهد الذي تستهلكه منه الانتخابات البلدية في قضاء راشيا عموماً، ومدينة راشيا خصوصاً.
ومع اقتراب موعد الاستحقاق الأحد المقبل، يزداد التوتّر في عاصمة القضاء بانتظار المعركة الحاسمة بين لائحتين، الأولى مدعومة رسمياً من وزير الصّحة العامة والحزب التقدمي الاشتراكي، والثانية يرأسها رئيس البلدية السابق زياد العريان، مدعوماً من العائلات، وبعض المحسوبين تاريخياً على الاشتراكي، على رأسهم الشيخ سهيل القضماني ابن الشيخ الراحل إبراهيم القضماني.
ومع أن رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط، كان يفضّل تشكيل لوائح توافقية في غالبية القرى والبلدات التي يوجد فيها الاشتراكي، من عاليه والشوف والمتن الأعلى، إلى حاصبيا وراشيا، وعلى هذا الأساس رُسمت خطوط عريضة مع النائب طلال أرسلان والحزب السوري القومي الاجتماعي والنائب السابق فيصل الداوود، مع مراعاة العائلات والخصوصيات في القرى. إلّا أن الرِّحال حطّت على معركة قاسية في راشيا، وسط تبادلٍ للاتهامات بين أبو فاعور والعريان بتعطيل التوافق.
قبل نحو أسبوعين، أطلّ أبو فاعور خلال إعلان لائحته «شباب لإنماء راشيا» برئاسة المقاول بسّام دلال، بخطابٍ متوتّر وعنيف، يتهدّد مرشحي اللائحة المنافسة ويتوعدّهم، إمّا بـ«الرضوخ أو الهزيمة». ولكي يشدّ أبو فاعور عصب لائحته، ألقى خطاباً لم يقله الاشتراكي منذ 2005، محوّلاً المعركة من تنافس على بلدية، إلى «حرب إلغاء» بين جنبلاط وقوى 8 آذار «التي انتهت في كلّ لبنان، وتوحّدت في راشيا»، على ما ذكر في خطابه. وأشار وزير الصّحة إلى «أوامر من خلف الحدود» أتت لقوى 8 آذار، مذكّراً بـ«العقيد مصطفى» ومفرزة المخابرات السورية في المدينة، بعد أن جهد المقرّبون منه خلال الأسبوعين الماضيين بتسويق اتهامات غير منطقية لحزب الله، عن أنه «يحشد في راشيا لمواجهة جنبلاط»! علماً بأنه أدخل إحدى القوميات السوريات إلى لائحته، بينما دخل إلى لائحة العريان ثلاثة أعضاء على الأقل يحسبون على التيار الوطني الحّر، وأكثر من اشتراكي.
تهديد أبو فاعور ووعيده، «انعكس سلباً عليه»، على ما يقول أكثر من مصدر في لائحة العريان، خصوصاً أن الوزير مَنَّ على أهالي راشيا، مذكّراً إياهم بما «أنعمه عليهم» جنبلاط و(ليس من أموال الدولة والمواطنين اللبنانيين): مدارس، جامعات، مركز البريد، التنظيم المدني، مركز للمعاينة الميكانيكية، شبكة طرقات، وظائف في الدولة… وتوجّه إلى اللائحة المقابلة بالقول: «عملتوا كم حيط براشيا شيلوهم، عملتوا حديقة حَمّلُوها». غير أن كلام أبو فاعور، لقي ردّاً هادئاً من العريان، الذي أعلن لائحته قبل نحو أسبوع، موجّهاً الشكر إلى كلّ من أسهم في إنماء راشيا: «دولة الرئيس نبيه برّي على دور مجلس الجنوب، الوزير مروان حمادة على إنجاز مستشفى راشيا، الرئيس سعد الحريري لتأهيله البئر الإرتوازية، الشيخ بهجت غيث على بناء الجامعة اللبنانية، الوزيرة السابقة ليلى الصلح حمادة على ترميم جناح الاستقلال في قلعة راشيا، جميل شرانق على تأهيل ساحة سوق راشيا…».
حرب الخطابات ليست الوسيلة الوحيدة للحشد الانتخابي في المدينة. فبينما يتسلّح العريان بغياب الغطاء السياسي عن لائحته، وخوض القضماني المعركة إلى جانبه بتركيبة عائلية ــ محلية تمكّنه من خرق «بلوكات» الأصوات الاشتراكية وضمانه نسبة مرتفعة من أصوات المسيحيين في المدينة، لا يوفّر أبو فاعور وسيلةً للحشد إلّا ويستعملها. فمن يسمع وزير الصّحة يفصل «المُطابِق» عن «غير المُطابِق» في بيروت، لا يرَه في راشيا إلأ ممسكاً بعصا وجزرة، بترهيبٍ وترغيب، على قاعدة «من لا ينتخبنا ليس منّا»، كما يُردّد في البيوت التي يزورها في حيَّي الكواسبة والميدان، وفي بيوت ناخبي راشيا المقيمين في قرى عيحا وبكيّفا وضهر الأحمر.
وما يحكى في راشيا، يقوله أعضاء في لائحة العريان لـ«الأخبار»، عن تهديدات وعروضٍ يتعرّض لها الناخبون في راشيا، اشتراكيين وغير اشتراكيين: فتلك تُهدَّد بحرمانها ساعات التعاقد، وذاك يهدّد بحرمان ابنه التطوّع في الجيش. فحين تنحصر وظائف أهل راشيا في الجيش والأمن العام والتعليم والصّحة وغيرها بشخصٍ واحد، تصبح النتيجة على الشكل التالي: ابن راشيا «المطابق»، هو ذلك الذي لم يعد مضطّراً إلى الوقوف على باب كليمنصو أو قصر المختارة للحصول على وظيفة، وبدل ذلك يقف على باب وكالة داخلية الحزب الاشتراكي في راشيا. أمّا الاشتراكي «المطابق»، فهو ذلك الذي يُسَلِّم بأن حزبه في راشيا، سيرثه أبو فاعور، حالما يرث تيمور جنبلاط المقعد الدرزي في الشوف.
ومع ذلك، لا يبدو الوزير «السوبر ستار» مرتاحاً. تراه يجول من بيت إلى بيت، ويسرق «غفوة» هنا واستراحة هناك يغمض فيها عينيه، فيما الأصوات التي في جيبه هي هي. بالأرقام، ينتخب في راشيا نحو 4000 درزي و2200 مسيحي. في الانتخابات البلدية الماضية، وصلت نسبة الاقتراع إلى 60% عند الدروز و21% عند المسيحيين، وخسر العريان يومها بفارق يقلّ عن خمسين صوتاً، وكان القضماني في مواجهة العريان. أمّا اليوم، فيبدو العريان مرتاحاً، ويقول لـ«الأخبار»: «نحن لائحة إنمائية، نريد أن نقدّم لراشيا كلّ الخير بعيداً عن السياسة»، فيما يقول القضماني لـ«الأخبار»: «لا أحد يهدّد راشيا بلقمة عيشها، واللقمة المغمّسة بالذل لا نريدها». وفي مقابل خطاب أبو فاعور واعتباره المعركة سياسية، يقول رئيس لائحته، بسام دلال، وهو رجل أعمال غير مقيم في راشيا، إن «لائحتنا هدفها إنمائي بامتياز، وإذا وصلنا سنمدّ يدنا للجميع». ويختلف دلال مع توصيف أبو فاعور حول التوافق، مؤكّداً أن «التوافق لا ينتج بلديات فعّالة، بل معطّلة، ومن الأفضل أن يربح أحد الفريقين».
بالنسبة إلى «قدامى» الاشتراكيين في راشيا، تتعدّى المعركة معركة بلدية، «إنها معركة إثبات أبو فاعور أمام جنبلاط، إنه الرقم الصعب في القضاء في ظلّ كل الإمكانات التي سخّرها له موقعه كوزير وشخصيته النشيطة، وقرار الإقصاء الذي اتخذ بحقّ أكثر من رمز اشتراكي في راشيا وحاصبيا».
ماذا عن توقّعات النتائج؟ العريان واثق من فوزه، وأبو فاعور يجتهد ليفوز، فيما يقول مراقبون إنه «في أسوأ الأحوال، ستخرق لائحة العريان ــ القضماني اللائحة الثانية بثلاثة أو أربعة أعضاء»، ليتوقّف الأمر على رفع نسبة الاقتراع المسيحي، التي إذا تعدّت الـ 26%، تهدّد أبو فاعور بسقوط لائحته كاملةً!