IMLebanon

معركة «الممر الشيعي»

طرد «داعش» من الموصل يحظى بإجماع إقليمي- دولي، فضلاً عن توافق نادر بين القوى السنّية والشيعية العراقية. لكن للإجماع وجهاً آخر هو الخوف من هزيمة قد تبقى مخفية الملامح لأسابيع، بعد بدء معركة تحرير الموصل من «خلافة» أبو بكر البغدادي، ومن بطش «داعش» وهمجيته.

والهزيمة التي قد تواكب الانتصار العسكري للقوات العراقية والتحالف الدولي، هي كارثة إنسانية، يخشاها الجميع، في حال لجأ تنظيم «داعش» إلى ضربات عشوائية انتقامية، مستخدماً سلاحاً كيماوياً. الثمن الباهظ سيكون من حصة المدنيين أولاً، ثم وحدات الجيش والشرطة العراقيَّين التي ستدخل مدينة الموصل لتطهيرها من مسلحي التنظيم وصواريخه وسياراته المفخّخة، وألغامه التي يراد لها أن تجعل المدينة المنكوبة نسخة عن بلدات ومدن سورية، محاها القصف والغارات السورية- الروسية.

كان مرجّحاً ألا يتلكأ رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي كثيراً في تحديد «ساعة الصفر» لمعركة الموصل، وهي كلما تأخرت زُرع مزيد من الألغام أمام حكومته المحظية برعاية خصمين سابقين: أميركا التي تعتبرها شريكاً في الحرب على الإرهاب، وإيران التي تعدّها شريكاً مخلصاً في محور إقليمي، يكرّس سيطرة طهران من بغداد إلى صنعاء ودمشق وبيروت.

هكذا، حظيت القوات العراقية برعاية جوية من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، واحتضنتها خبرة مستشاري «الحرس الثوري» الإيراني… على الأرض. ولم يزعِج العبادي كثيراً أن يشاكس الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، رافضاً سحب قوة من شمال العراق، كرّر أنها أُرسِلت استجابة لطلب من بغداد. وتبيّن سريعاً أن المسألة في «سوء التفاهم» تتعدى مشكلة ذاكرة إلى طموحات تركية ومخاوف: مخاوف على تركمان العراق الذين قد ينزحون من الشمال إذا اندفعت إلى مناطقهم ميليشيات «الحشد الشعبي» الشيعية، بعد اقتلاع «داعش» من الموصل. وأما الطموحات التي تفسّر اندفاع أنقرة إلى إعلان رغبتها في المشاركة في معركة الموصل جواً، فتندرج في سعي أردوغان إلى الاحتفاظ بأوراق تفاوض، أو مقعد في مفاوضات، ربما يمليها تبديل في التركيبة السكانية للمنطقة الممتدة إلى الحدود العراقية- التركية.

ما لا تريده بغداد أن ينسب أردوغان إلى الجيش التركي لاحقاً، فضلاً في معركة تحرير الموصل، فيما يدرك العراقيون الطموحات التركية تاريخياً، للمشاركة في تقرير مصير كركوك، والمنطقة الغنية بحقول النفط شمالاً.

الأكيد أن العبادي يراهن على الدور الأميركي في لجم اندفاع الشريك التركي لواشنطن في الحرب على الإرهاب، وفي عضوية الحلف الأطلسي. لكن أحداً لا يمكنه التكهُّن الآن بتعقيدات أو مفاجآت تواكب القتال في الموصل وتداعياته إنسانياً، والقدرة على إيواء أفواج النازحين، ومنع مواجهات مذهبية، أو تنكيل مذهبي يكرر مآسي تلت تحرير الفلوجة.

العراقيون خائفون من ثمن تحرير الموصل، ومن مفاجآت «داعش» الذي يُستبعد انكفاؤه سريعاً إلى سورية. الأوروبيون خائفون من «أفواج جهاديين» تتسلّل إلى أراضيهم لتوسيع سيناريو الرعب، بعد الحرب، وأما القوى الإقليمية فمعظمها يخشى أن تسهّل معركة الموصل لإيران تحقيق مشروع الممر الآمن من العراق إلى سورية، أي ما وُصِفَ بالممر «الشيعي» في الشمال.

وبصرف النظر عن استخدام إدارة الرئيس باراك أوباما والحزب الديموقراطي في الولايات المتحدة، تلك المعركة لتعزيز حظوظ هيلاري كلينتون في انتخابات الرئاسة الشهر المقبل، يُستبعد أن يُنصت أوباما إلى النصيحة الفرنسية بفتح معركة الرقة سريعاً، وعدم التريُّث إلى ما بعد اقتلاع «داعش» من الموصل. لدى البيت الأبيض، العراق ملف أميركي- إيراني، فيما سورية ملف آخر تديره روسيا التي ما زالت مصرّة على أن غارات الإبادة تنتقي «الإرهابيين» في شرق حلب، مثلما ترصد طائرات التحالف الدولي «دواعش» أبو بكر البغدادي في الموصل.

نبأ سعيد للكرملين أن ينهمك التحالف بـ «الجناح الشرقي» للتنظيم الإرهابي في العراق، كي يحوّل انتباهه عما تشهده حلب من جرائم وكوارث، تأمل روسيا بأن تسرّع إسقاط شرق المدينة في قبضة النظام السوري. والمفارقة أنها تستعجل هدنة لثماني ساعات «لا تضيّع الوقت» لإخراج مقاتلي المعارضة ومسلّحي «جبهة فتح الشام» من الأحياء المحاصرة.

8 ساعات لا تضيّع الوقت، لقلب موازين القوى، وأما الموصل فملحمة على خطوط مذهبية- عرقية ما زالت في بدايتها. وبين محرقة حلب وملحمة الموصل، هوية واحدة لدماء الضحايا، سورية- عراقية.