كشفت معارك جرود بريتال ويونين عورات «حزب الله» العسكرية والأمنية، التي كانت لا تزال مستورة، كما أعادت التذكير بعوراته المكشوفة أصلاً. وفي الحصيلة بدا الحزب مربكاً ومتضعضعاً بين متطلبات بيئته الحاضنة التي تئن تحت وطأة الخسائر البشرية ومتطلبات ارتباطه العضوي بمصالح ايران، بحيث لم يعد امام قوى 14 آذار سوى التذكير بأنّ مشاركته الجلوس حول طاولة مجلس الوزراء لا تعني مطلقا القبول بـ«الخروج المتعمّد على الإجماع الوطني واستدراج الجيش والقوى العسكرية إلى مهمات قتالية وأمنية، تحدّدها غرف العمليات التابعة لحزب الله» كما اوضح رئيس تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري امس.
فقد بيّن الهجوم المفاجئ الذي شنّته مئات العناصر من تنظيمَي «داعش» و«النصرة» بعد ظهر الاحد على مواقع حدودية متقدمة لـ«حزب الله» في الجرود، التي تعلو خصوصا القرى والبلدات الشيعية، انه المسؤول مباشرة عن امن هذه الحدود ولم يتسنّ له ان يتلطى خلف قوى نظامية كما حدث حين استهدف هجوم مماثل مواقع الجيش في عرسال.
لكن اللبنانيين الذين توحدوا في الوقوف وراء الجيش عندما استهدفه الارهاب، خصوصا «قوى 14 آذار» باعتباره الوسيلة الوحيدة لتأمين حمايتها، انقسموا تجاه مصادرة «حزب الله» لهذه الحماية واعتباره نفسه المخوّل بها حصرا في الجنوب سابقا ومؤخرا على الحدود الشرقية في مواجهة «الارهابيين».
لكن مسارعة «قوى 14 آذار» إلى رفض هذه المصادرة في بيان صدر عن امانتها العامة ازعج «حزب الله» الذي يفتش عن إجماع وطني على شرعية دفاعه يكرّس شرعية سلاحه الذي تدأب هذه القوى على المطالبة بحصره بيد السلطة الوطنية. وهذا ما تبدّى في ردود فعل وسائل الاعلام المقربة من الحزب على البيان ومهاجمته وصولا إلى موقف مباشر من تكتل «الاصلاح والتغيير».
ووصل بهم الامر إلى «اختلاق» تأييد البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي لدفاعهم عن الحدود بتسريب خبر عن لسانه يقول انه «لولا الحزب لكان داعش في جونية» وهو ما نفته البطريركية المارونية جملةً وتفصيلاً.
كذلك اتى الرد واضحا وصريحا ومباشرا على لسان الحريري الذي اعرب عن اسفه لوجود من يقر لـ«حزب الله» بـ«حقوق حصرية في اقامة المعسكرات وخوض الحروب بمعزل عن الدولة وحكومتها وجيشها» واعتباره ان «استخدام الحدود منصة لتوجيه الرسائل الامنية والعسكرية في هذا الاتجاه او ذاك مغامرة جديدة وخطوة في المجهول».
فإلى جانب الحدود الشرقية اراد «حزب الله»، ومن ورائه ايران، تذكير الغرب، المتعاطف دوما مع استقرار إسرائيل، بأنّ في اليد ورقة مهمة تتعلق بأمنها. فكانت عملية تذكيرية الثلاثاء شكلت خرقا لمنطوق القرار الدولي 1701 الذي أمّن، عبر الجيش وقوات الطوارئ الدولية، استقراراً واضحاً لمنطقة جنوب الليطاني منذ بدء تطبيق بنوده صيف العام 2006 .
فقد تشعّبت التفسيرات، وجميعها لها دور، لدوافع هذه العملية. ومن هذه التفسيرات القول إن التورط في سوريا لم يقضِ على همّ مقاومة إسرائيل، او انه بذلك يعيد تعبئة الرأي العام باستحضار العداء لها، او انه يستبق لجوء الارهابيين إلى شبعا بتواطؤ إسرائيلي رأى ملامحه في الهدوء الذي يسود جبهة الجولان، وكأنّ هذه الجبهة كانت مستعرة منذ مطلع السبعينات قبل سيطرة «النصرة» على معظمها.
لكن الرسالة الرئيسة، وفق سياسي لبناني سيادي، توحي بتعثر المفاوضات بين ايران والغرب التي من المقرر لها ان تنجز في 24 الشهر المقبل اتفاقا شاملا حول البرنامج النووي الايراني. اما بالنسبة إلى الحزب فيرى المصدر نفسه ان من الأهداف القول زوراً بأنّ القرار 1701 لا يؤمّن الاستقرار والحماية الحدودية، وذلك تحسباً لتشدد «قوى 14 آذار» في المطالبة بمدّ صلاحية هذا القرار إلى الحدود الشرقية، وصولاً إلى طرح وزرائها هذا المطلب على طاولة الحكومة.