ليس من المألوف فتح بازار سياسي في بدايات عملية عسكرية لقوة دولية كبرى تكشف من أهدافها أقل مما تخفي. لكن روسيا السورية تفعل ذلك، سواء بالاضطرار أو بالخيار. وكل من له سهم في حرب سوريا يذهب الى السوق مع القوة التي غيّرت قواعد اللعبة من دون أن تصل بعد الى تغيير اللعبة. فلا الرئيس فلاديمير بوتين الذي سجل أكثر من هدف حتى الآن عبر مجازفة محسوبة يستطيع إبقاء طائراته في الجو الى ما لا نهاية في حرب لا نهاية لها بالحسم العسكري. ولا هو يريد الانسحاب المبكر بعد انخراطه في وضع ينطبق عليه المثل القائل: من يكسر شيئاً يملكه بمعنى يدفع ثمنه ويأخذه. وليس أمامه سوى الاستمرار في القصف والبحث عن حل سياسي في الوقت نفسه عبر طبعة جديدة من تلازم المسارين.
وهكذا تحركت الأمور بسرعة بعد ليلة المحادثات في الكرملين بين بوتين والرئيس بشار الأسد. فلقاء فيينا الرباعي الذي دعا اليه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف نظراءه الأميركي والسعودي والتركي، ردّ عليه وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس بلقاء أوسع في باريس استثنى منه لافروف. ومحور الأحاديث في اللقاءين هو العملية السياسية التي قادت الى دمشق وزير الخارجية العماني المخضرم والمحنك يوسف بن علوي صاحب الأدوار المهمة في الوساطات وترتيب اللقاءات في مسقط بين الخصوم. واذا كانت مصر تستعد للقيام بدور يليق بما كان لها من أدوار قيادية عربية، فان الخلاف لا يزال قائماً حول دعوة ايران الى اللقاءات.
لكن فتح البازار ليس بوليصة ضمان للتوصل الى تسوية سياسية. فلا ظروف التسوية نضجت بالرغم من كل ما فعلته الحرب بسوريا والسوريين. ولا ربط الحل السياسي بالقضاء على الارهاب سوى اعلان ضمني بأن الحل السياسي لم يكن وليس على الاجندة. فالذين سخروا من الرئيس جورج بوش الابن عندما اعلن الحرب على الارهاب عام ٢٠٠١ وطرحوا الحاجة الى تعريف واحد للارهاب هم في طليعة السائرين على طريقة بوش. والشهور التي حددها بوتين للعملية العسكرية الروسية ليست كافية للقضاء على داعش الذي تحدد له واشنطن جدولاً زمنياً يراوح بين خمس وعشر سنين.
ذلك ان استعجال التسوية شيء وحرق المراحل شيء آخر. واذا نجح الرهان على موسكو في اقناع دمشق وطهران بأن التسوية هي المحطة الاجبارية للنجاح في محاربة الارهاب، فان المرحلة التالية هي الانتقال من الاثمان والشروط المرتفعة الى الثمن والشرط المعقولين والمقبولين للحل السياسي.