مَن يسمع رئيس الاتحاد العمالي يعلن الإضراب الأربعاء المقبل والتحضير لموجة احتجاجات، قد يعتقد أن شيئاً خطيراً استثنائياً استجد على البلاد وأن القوة الكامنة لـ “الطبقة العاملة” تشعر بالغليان، وويلٌ لمن يقف في وجه “السيل العارم” للعمال.
مرة جديدة يخطئ بشارة الأسمر في العنوان. فرفع الدعم ليس بداية ونهاية الأزمة التي تعيشها الطبقات الفقيرة، وسعر البنزين والطحين والدواء، على أهميته ووجوب أن يبقى في متناول الأفقر والأقل دخلاً، لن يضمن لعموم اللبنانيين سوى سد الرمق من غير ان يعفيهم من ذُلّ السؤال.
وكي لا نُتَّهم بسوء النية أو المواقف المسبقة التي تربط قيادة الإتحاد العمالي العام بقيادات 8 آذار جرياً على العادة التي تأسست في زمن الوصاية، نقول إنّ من حق الاتحاد ان يُضرب ويتظاهر ويمارس كل أنواع الاحتجاج لإبعاد العوز والجوع عن الفئات التي يدافع عنها، لكن من حق اللبنانيين أن يصوبوا له الهدف لئلا يَثْبت انه يتحرك بالريموت كونترول، وأن جمهوره ومناصريه الفعليين هم عملياً أنصار “الثنائي” وأتباعه الذين يصمتون دهراً صاغرين راضين، ثم ينطقون حين يوحى لهم تنفيذاً لأجندة المشغّلين.
مشكلتنا ومشكلتكم يا حضرة رئيس الاتحاد لا تحلُّها كسرة خبز إضافية مدعومة ولا تنكة بنزين لسائق عمومي أو علبة دواء لمريض. “بيت الداء” هو المنظومة السياسية الفاسدة والمفسدة التي يجب ان ترحل بكل رؤوسها وأذنابها، و”مربط الفرس” هو وقف التهريب وضبط المعابر اللذان يشكلان المدخل الفعلي لوقف الهدر وأكثر بكثير.
لم تعد تجوز العشوائية في موضوع الدعم، ولا يمكن ان يرضخ الجميع لشعبوية تفرض ابقاءه لنستمر في لحس المبرد تاركين رياض سلامة يصرف من أموال المودعين. واجب الاتحاد العمالي ان يصوغ مطالبه بمسؤولية، ما دام أهل السلطة لا يمارسونها ولا يأبهون لأي معايير أخلاقية في ادارة شؤون الدولة والناس.
لا يفيد اللبنانيين في شيء ان يبقى الدعم ويطير ما تبقى من ودائع خصوصاً ان هدف التهريب مزدوج: افادة النظام السوري، وتحقيق المهربين “المنظمين” مكاسب تعود عليهم بدولارات يكسبونها مما تبقى لدى “الحاكم” العظيم.
على بشارة الأسمر التفكير بهدوء بعيداً من رغبات الولاء السياسي لشركائه النقابيين. فالدعم في شكله الحالي ما عاد ممكناً على الاطلاق، كذلك ترشيده، إذ إن قوى “8 آذار” مصرة على دعم النظام السوري بالتهريب حتى لو صار اللبنانيون “على الحديدة” ووقفوا شحادين على أبواب السفارات. وإلا لماذا لم ينجح حتى الآن أي اجراء لوقف قوافل شاحنات التهريب؟ ولماذا فشلت كاميرات الاوروبيين في رصد المهربين؟ ولماذا استحال على الجيش تطبيق قرارات ما يسمى مجلس الوزراء وبديله اللذيذ “المجلس الأعلى للدفاع؟”.
سيد بشارة الأسمر، بديل الدعم احتمالان: بطاقة تموينية أو تمويلية. أما جوهر الأزمة فهو استمرار المنظومة في “احتلال” المناصب والقرار، لذلك لا تدخلْ في لعبة ستتحول فيها مجرد أداة. سيقطعون باسمك الطرق بحجة منع رفع الدعم فيما هم ينفذون أجندة رُكبت في الغرف السوداء. راجع الأرشيف وتذكَّر “صدفة” تزامن اضراب سلفك غسان غصن مع “7 أيار” المجيد!