مرّ قطوع “كورونا” على بشرّي من دون أن يوقع خسائر كبيرة وسط ارتفاع حالات الشفاء، فالمنطقة التي كانت أمام كارثة حقيقية منذ أكثر من شهر إستطاعت استيعاب الصدمة بتضامن أهلها وفاعلياتها، وسط التحضّر لمواجهة التحذيرات من موجة ثانية في كل لبنان.
لم يُكتب لمنطقة بشرّي على مرّ التاريخ أن تستسلم أو ترضخ، فالشعب الذي قاوم وحارب وانتصر وثبّت ركائز الحرية والإستقلال، إستطاع بوعيه أن يتغلّب على الموجة الأولى من “كورونا”، على رغم الإرتفاع المفاجئ في الإصابات في بقية المناطق في الأيام الأخيرة والذي ينذر بخطر قادم.
من مفرق طورزا مدخل القضاء لناحية الكورة، مروراً بحدث الجبة التي تشكّل مدخل بشري الثاني من جهة تنورين وصولاً إلى المدينة وحدشيت والمداخل ناحية إهدن، تنفست المنطقة الصعداء، كيف لا، والأهالي يؤكّدون أن مار شربل، إبن بقاعكفرا وقديس لبنان، لم يحم منطقتهم فقط بل حمى كل البلاد، فكانت موجة “كورونا” الأولى أخف وطأة ومرّت بهدوء.
“يلي عندو مار شربل والقديسين ما بخاف من شي”، هذه العبارة يرددها أهالي بشرّي الذين كانوا واثقين بانتصارهم على المرض، وبالتالي فقد عادت أجراس الكنائس تقرع حيث ينتقل صداها إلى وادي قنوبين ومنه إلى كل لبنان، وسط الحذر من تكرار الموجة الأولى.
ولعلّ تخفيف التدابير والإجراءات الإستثنائية والإبقاء على التدابير التي تصدرها الحكومة خير دليل على انتصار الجبّة على وباء “كورونا” في مرحلته الأولى، وعلى رغم إعلان الحكومة تمديد التعبئة العامة إلى حزيران، فقد فتحت معظم الطرق التي تربط بشرّي بالجوار، وباشر المزارعون الإهتمام بأرضهم حيث يشكّل التفاح الشجرة الطاغية في المنطقة.
لكن كل ذاك التقدّم في محاربة “كورونا”، لم يمنع من الإبقاء على بعض التدابير المشدّدة وذلك من خلال تطبيق الإرشادات التي تعلنها وزارة الصحة وهيئة الطوارئ في المنطقة إضافةً إلى البلدية.
ويبقى الحذر واجباً في بلدة “المقدّمين”، وهي وإن فتحت أبوابها أمام أهالي المناطق المجاورة، إلاّ أن من يريد زيارتها سيُسأل إلى أين ذاهب وماذا ستفعل وهل الزيارة ضرورية، لأن أي خطأ في هذه المرحلة سيعيد الأمور إلى نقطة الصفر مثلما حصل في مناطق عدّة، في حين أن مطاعم المنطقة ومتحف جبران خليل جبران وغابة أرز الرّب وبعض المعالم السياحية لم تفتح أبوابها بعد.
إلى ذلك، فإن بشرّي تتحسّب للموجة الثانية التي قد تضرب البلاد والعالم أجمع، وأبقت حواجز شرطة البلدية على مداخل المدينة وتم الطلب من المواطنين إرتداء الكمامة مع وضع القفازات بشكل دائم خارج المنزل. كذلك يمنع دخول أي مواطن الى أي متجر من دون كمامة أو قفازات تحت طائلة مساءلة صاحب المتجر وتعريضه لغرامة مالية، وتم منع التجمعات والمحافظة على التباعد الإجتماعي.
وعلى صعيد تطوّر وضع “كورونا”، يؤكّد القيمون على الواقع الصحي أن الوضع بات تحت السيطرة “وقد خطونا خطوات كبيرة نحو السيطرة على هذا الوباء، والتدابير ما زالت مشدّدة تحسباً لأي طارئ وسط الحديث عن تزايد الإصابات في لبنان”.
وفي حين تتوارد أخبار عن مزيد من الإصابات في مناطق عدّة، إلا أن الاخبار السارة تأتي من بشري، مع تسجيل 16 حالة شفاء جديدة ليصبح العدد الإجمالي لحالات الشّفاء في قضاء بشرّي 48 حالة، علماً أن معظم المصابين يتلقون علاجهم في مستشفى بشرّي الحكومي فيما يلتزم آخرون الحجر المنزلي.
من جهته، يشدّد رئيس بلدية بشرّي فريدي كيروز في حديث لـ”نداء الوطن” على أن المنطقة باتت على قاب قوسين أو أدنى من إعلان النصر على “كورونا”، لكن هذا الأمر لا يجب أن يدفعنا إلى “الإستلشاق” لأننا كنا أمام كارثة حقيقية لو لم نتخذ تدابير فورية”.
ويوضح كيروز أن “كل الإصابات قد غادرت المستشفى وهي تلتزم الحجر المنزلي”، لافتاً إلى أن “الوضع إذا أكمل بهذه الطريقة فإننا سنصل بعد 10 أيام من الآن إلى صفر إصابات وبذلك يكون الجميع قد شفي من “كورونا”.
ويلفت إلى أن فحوصات PCR مستمرة ولم تسجّل أي إصابات منذ أيام، وبالتالي فإن الوضع إيجابي جدّاً وقد إجتزنا “القطوع”، في حين أن الإجراءات لا تزال مشدّدة خوفاً من أي انزلاق لأنه سيكون مكلفاً جداً وسيعيد إقفال المنطقة أسابيع إضافية”. إذاً، خطت بشرّي خطوات مهمّة في التغلّب على “كورونا”، لكن التحذيرات مستمرّة من موجة ثانية ستكون أشدّ وطأةً من الموجة الأولى، وهذا الأمر حذّرت منه منظمة الصحة العالمية إضافةً إلى وزارة الصحة اللبنانية.
ويؤكّد الفريق الطبي في المنطقة أن الحذر من الموجة الثانية واجب ولا يجب أن ندخل دائرة الإستلشاق ليس فقط على صعيد بشري بل على صعيد كل لبنان، وبالتالي فإن بشري أخذت احتياطاتها لمواجهة الموجة الثانية، إن أتت، خصوصاً أن المجتمع بات يعرف كيف يتعامل مع هذا الفيروس، والمواطنون باتوا على علم بكل التدابير والإرشادات التي يجب اتباعها، لذلك فإن المواجهة ستكون أسهل، لكن كل ذلك مرتبط بوعي المواطنين واتباع الإرشادات الضرورية.