عزل مدينة بشري متوقف على موافقة فاعلياتها. هذه هي خلاصة المشهد «الكوروني»، أمس، بعدما سجلت المدينة عدداً كبيراً من الإصابات في الأيام القليلة الماضية، في مقابل تراجع الإصابات في بقية المناطق. وهي خلاصة أحيت النقاش الطائفي والسياسي الضيق، على رغم أهمية العزل لحصر عدوى انتشار الوباء
باستثناء «الخرق» الذي حقّقته مدينة بشرّي بارتفاع عدد الإصابات فيها بفيروس «كورونا» المستجدّ، و«الخرق» الآخر المتمثّل باكتشاف حالات إيجابية بين المغتربين العائدين من أوروبا خصوصاً، فإن مسار الإصابات لا يزال ضمن السياق «التطميني» الذي بشّر به وزير الصحة حمد حسن أول من أمس. فقد سُجّلت أمس 15 إصابة جديدة (12 منها أُعلن عنها في بشرّي ليل أول من أمس) من بين 587 خضعوا للفحص. ومن بين 276 فحصاً خضع لها المُغتربون، سُجّلت 12 إصابة جديدة. عملياً، تعني هذه الأرقام تسجيل ثلاث إصابات جديدة فقط أمس، تُضاف الى أربع إصابات أعلن عنها مُستشفى رفيق الحريري مساءً (ستُضاف إلى الأرقام التي تعلنها وزارة الصحة اليوم).
هذه المعطيات تحتّم مزيداً من الحذر يجب أن يرافق عمليات الإجلاء المُقبلة للبنانيين الراغبين في العودة. كما تحتّم تعاملاً جدياً بعيداً عن المناطقية والطائفية في ما يتعلق بمقاربة الوضع المستجدّ في بشرّي، والذي يهدّد بخطر انتشار العدوى إلى بقية بلدات القضاء ما لم يتخذ قرار حاسم بعزل المدينة.
مصادر وزارة الصحة أكّدت لـ«الأخبار» أنها أوصت بخيار العزل، «إلّا أن تطبيق القرار متوقف على موافقة الفاعليات المحلية والسياسية في المنطقة». فيما كان لافتاً استعادة نَفَس الاستثمار الطائفي والسياسي في النقاشات التي تناولت طرح العزل. فبعد «ثورة» نواب المتن، قبل أسابيع، لدى طرح خيار عزل القضاء بعد تسجيله (ولا يزال) العدد الأكبر من الإصابات (أكثر من 20% من العدد الإجمالي)، استنكرت فاعليات بشرّي، أمس، توصيفها بـ «بؤرة انتشار الفيروس» بعدما بلغت نسبة الإصابات إلى الفحوصات المخبرية 45%، وكأن توصيف الواقع يُعدّ «إهانة للمدينة».
مصادر «الصحة» لفتت إلى أن عزل بشري يختلف عن عزل المتن كقضاء، «إذ إن محدودية السكان في مدينة بشري تسهّل الإجراءات التي ستكون حكماً أكثر تعقيداً في حال اقتراح عزل قضاء بكامله».
الناشط في خلية الأزمة في بشري المحامي طوني شدياق أوضح في اتصال مع «الأخبار» أن نتائج الفحوصات التي صدرت في اليومين الماضيين كانت «متوقعة»، وهي «تعود جميعها لنحو عائلتين، وبالتالي فإن الحالات معروفة ومحصورة بالمخالطين في الحلقات الضيقة للإصابات الأساسية»، لافتاً إلى أن ارتفاع تسجيل الإصابات يعود إلى ارتفاع أعداد الفحوصات. وفي السياق نفسه، أشارت إدارة مُستشفى بشري الحكومي، في بيان أمس، إلى أن عدد الحالات الإيجابية يعود الى «كمية فحوصات الـ pcr المرتفعة التي أجريت نتيجة متابعة خلية الأزمة للحالات والاتصال بالأشخاص بناءً على داتا دقيقة»، مطمئنة إلى أن الحالات الإيجابية «محصورة في نطاق معين (…)». كذلك، أعرب وزير الصحة حمد حسن، الذي زار بشرّي ضمن جولة شمالية، عن «الاطمئنان» لأن «الحالات السلبية الموجودة كلها مترصدة ومتابعة من قبل خلية الأزمة في بشري ومبنية على أسس علمية».
تطبيق العزل متوقف على موافقة الفاعليات المحلية والسياسية البشرّانية
ماذا عن خيار العزل؟ يؤكد شدياق أن الأمر «غير وارد»، لافتاً إلى «الإجراءات الصارمة والحاسمة التي تقوم بها الخلية، بالتعاون مع فاعليات المنطقة»، علماً بأن بياناً صدر عن نائبة بشري ستريدا جعجع أكد أن وزير الصحة «عبّر لي عن قلقه من تطوّر انتشار فيروس كورونا في مدينة بشري. وطرح عليّ ضرورة حجر المدينة وعزلها عن باقي قرى القضاء (…) من دون التصريح عن ذلك، وقوفاً عند مشاعر أهل المدينة (…) فوافقته الرأي».
مصادر في المدينة، تحدثت إليها «الأخبار»، أكدت أن البلدية سيّرت دوريات وأقفلت العديد من الطرق لحصر الحركة «وإذا ما تطور الأمر، فسنلجأ إلى العزل». كما أعطى محافظ لبنان الشمالي القاضي رمزي نهرا توجيهاته الى أعضاء غرفة عمليات المحافظة بوضع كل إمكاناتها «للمُساندة في تطبيق خطة خلية إدارة الأزمة في منطقة بشري، وتلبية متطلبات البلدية والأهالي بأقصى سرعة». وشدّد نقيب الأطباء شرف أبو شرف، في بيان، على «ضرورة إجراء مسح عام وشامل، وخاصة في بشري لتدارك نتائج هذا الانتشار».
هذه المُعطيات، تُعيد إحياء نقاش عزل المناطق الموبوءة، على رغم الحساسية الطائفية، كإجراء مهم لحصر الوباء من جهة، كما هي الحال في كثير من البلدان، ولأنه يتيح، من جهة أخرى، فتح المناطق التي لا تسجّل فيها إصابات لتخفيف حدّة الأزمة الاجتماعية بسبب الوضع الاقتصادي المتردّي. كما أنها تؤشّر الى أهمية تكثيف الفحوصات المخبرية في المناطق كي لا تأتي أرقام نتائج الفحوصات «صادمة» وتدحض المسار الإيجابي الذي تعد به وزارة الصحة.
مصادر الوزارة أكّدت أن خيار الفحوصات مفتوح في مختلف المناطق «ونجهد لتكثيفه في الأيام المُقبلة. لكن ينبغي الاشارة الى أنه لو كان هناك انتشار للفيروس في بقية المناطق، لكانت أعداد الحالات فيها كبيرة اليوم لأن المخالطين للحالات المحدودة التي سجلت في تلك المناطق خضعوا للفحص مرات عدة». وتؤكد المصادر أنه «في حال بات هناك صفر إصابات في مختلف المناطق، واقتصرت الإصابات على مدن وبلدات محددة، فقد نلجأ إلى خيار فتح مناطق دون أخرى».