Site icon IMLebanon

«حرب الخرائط» بين بشرّي وبقاعصفرين عبثية… وعلى الدولة إيجاد حلّ يرضي الجميع!!! 

النعماني لـ«الديار»: خريطة المتصرّفية تُظهر قمم القرنة السوداء في قضاء البترون القديم 

 

فتح سقوط الضحيتين هيثم ومالك طوق من بشرّي عند القرنة السوداء، الباب واسعاً على ضرورة «تثبيت» الحدود بين أقضية بشرّي، إهدن، الهرمل، والضنية في محلّة «قمّة الشهداء»، وربّما في أقضية أخرى. علماً بأنّها قيد النظر منذ أكثر من ثلاث سنوات لدى القاضي العقاري في الشمال الذي استعان بلجنة من المسّاحين الخبراء، على ما ذكر نائبا بشرّي، وقد شارفت على الانتهاء من تنفيذ مهامها. غير أنّ بلدية بقاعصفرين عبر وكيلها القانوني طلبت أخيراً نقل ملف تثبيت الحدود من أمام القاضي العقاري، في محاولة اعتُبرت أنّها تهدف الى تضليل التحقيقات ونسفها وتجهيل القتلى في العديد من الجرائم التي حصلت هناك.

 

وفي ظلّ البيانات المتبادلة من قبل نوّاب بشرّي والضنية حول النزاعات الحاصلة بين البلدتين على استخدام مياه نسّافات الثلوج ورعي المواشي، والتي تحوّلت الى النزاع على ملكية الأرض، لا بدّ من العودة الى الخرائط والوثائق بهدف إنهاء الخلاف ووقف أي دابر للفتنة بين أهالي المنطقتين وحصول كلّ صاحب حقّ على حقّه. فالحدود الإدارية لقضاء المنية- الضنية مع قضاء بشرّي مرسّمة ومحدّدة بموجب خرائط ثابتة وموثّقة لدى الوزارات المعنية في الدولة اللبنانية، رغم أنّ هذه الأخيرة تختلف من حقبة الى أخرى… فما هي حقيقة الأمر سيما أنّ بلدية بشرّي قدّمت جميع الخرائط والمستندات التي تؤكّد أنّ «قمّة الشهداء» تقع «ضمن النطاق الجغرافي لبلدية بشرّي منذ زمن متصرّفية جبل لبنان القديم (أي منذ ما قبل نشوء دولة لبنان الكبير)؟!

 

يقول السفير الدكتور بسّام النعماني المتابع لقضايا الحدود لجريدة «الديار» أنّه تبيّن له أنّ بيان نائبي بشرّي صحيح في ما يتعلّق بأنّ القمم في خرائط المتصرفية (والقائمقاميتين) في هذه المنطقة كانت موجودة ضمن نطاق قضاء البترون القديم. والبترون «القديمة» كانت تضمّ زغرتا، وإهدن، وبشري. أمّا إعادة خريطة التوزيع الإداري في فترة الإنتداب الفرنسي، فقد دفعت الحدود الفاصلة غرباً إلى رؤوس القمم. فأصبحت قمم السلسلة الجبلية (أي جبال المكمل، وضهر القضيب، والقرنة السوداء، إلخ..) هي الـ 7 حدود الفاصلة بين أقضية الضنيّة وبشري، وبعلبك، والهرمل. ويؤكّد أنّ الخرائظ الفرنسية وضعتها في قضاء بعلبك – الهرمل آنذاك. وبعد إنشاء قضاء الهرمل المستقلّ في العام 2011، أصبحت داخل قضاء الهرمل، لأنّ الحدود أصبحت متعرّجة في تلك المنطقة.

 

من هنا، تبدو «حرب الخرائط» بين بقاعصفرين وبشرّي، على ما أضاف، حرباً عبثية. فكلّ طرف يتمسّك بخرائطة ووثائقه ومستنداته العقارية التي تعود إلى فترات تاريخية مختلفة. وبيان نائبي بشري عن أنّ خرائط المتصرفية تضع القرنة السوداء وكلّ سلسلة القمم داخل مناطقهم صحيح. وهذا ما يتبيّن من خريطة المتصرفية المترافقة (وفي خرائط القائمقامية القديمة أيضاً)، وهي تضع القرنة السوداء وسائر القمم إلى جانب وداخل قضاء البترون لمساحة مئات الأمتار.

 

ويوضح النعماني أنّه وعندما مدّ الفرنسيون سيطرتهم الانتدابية على لبنان في العام 1920، قاموا بإعادة رسم حدود الأقضية اللبنانية ومديرياتها. فأصبح قضاء البترون ينقسم إلى زغرتا، وبشرّي، والضنية. كما دفعوا الحدود الفاصلة بين هذه الأقضية وقضاء بعلبك لتصبح رؤوس القمم ذاتها، وهو ما تقتضيه استراتيجيتهم العسكرية في ذلك الوقت. فأصبحت قمّة القرنة السوداء في جهة قضاء بعلبك-الهرمل بأمتار قليلة (وبعد إنشاء قضاء الهرمل المستقلّ إدارياً في العام 2011، أصبحت قمّة القرنة داخل هذا القضاء لأنّ حدود القضاء الإدارية في الخرائط الحالية كثيرة التعرّج والتداخل مع قضاء بعلبك لأسباب مختلفة).

 

وعمّا يمكن أن يحصل لإنهاء الخلاف بين البلدتين تلافياً للفتنة أو لوقوع ضحايا أخرى، يجد أنّه قد يكون من المناسب والمنطقي أن يتوصّل الطرفان الى حلّ تسووي يعطي الحقوق لكلّ طرف ويُسهّل عملية إستثمار الثروة الهيدرومائية والسياحية في تلك المنطقة في غياب لغة التحديات والتهديدات.

 

أما بالنسبة إلى ملكية العقارات، فيشرح النعماني: أنّ هذا أمر مختلف عن الحدود الإدارية الفاصلة بين الأقضية. وكما ثبت، فإنّ الخرائط الإدارية تتغير في الفترات التاريخية المختلفة. فيمكن لأي لبناني أن يتملّك عقار في أي قضاء كان. ولكن كلّ إدارة أو بلدية تضع شروطاً مختلفة حول تملّك المشاعات التي تعود إليها أو إلى الدولة. كما أنّ المحميات الطبيعية وعيون المياه والأنهر تحكمها قوانين أخرى. ويمكن إضافة ما يعتبره الجيش مناطق عسكرية استراتيجية حسّاسة تخضع له بطبيعة الحال. ولهذا لن يتمكّن القضاء وحده من حلّ كلّ هذه المواضيع المعقّدة والمتداخلة بشكل سريع وحاسم.

 

وعمّا إذا كان المطلوب إعادة تحديد أو ترسيم الحدود في المناطق الحدودية الداخلية، يشير الى أنّه ليست كلّ المشاعات تابعة للدولة. كما أنّ ليست كل المشاعات ملك للبلديات. فالأمور تختلف من منطقة إلى أخرى. فضلاً عن أنّ الدولة تقوم بعرض تسهيلات أو تراخيص لإقامة مشاريع إقتصادية كبيرة. وأحياناً تنقل ملكية أراضيها لشركات خاصة، وأحياناً لمدد طويلة على أن تقوم باسترداد هذه الملكية بعد فترة زمنية محدّدة. إذاً مسألة ملكية الأراضي في بعض الحالات ليست مسألة يمكن حسمها بهذه السهولة.

 

ولخّص السفير النعماني الوضع وبسّطه في القرنة السوداء على النحو الآتي: قمّة القرنة السوداء حالياً تتبع إدارياً لقضاء الهرمل. المنحدرات الغربية لجبل القرنة السوداء عندما يبدأ الانحدار نزولاً من القمة المذكورة تتبع إدارياً لقضاء الضنية. في فترة المتصرفية والقائمقاميتين، كانت القمم والقرنة السوداء تتبع لقضاء البترون (التي تضمّ زغرتا، وإهدن، وبشرّي). ونظراً لتقدّم المواصلات الحديثة فإنّ كلّاً من أهالي الضنية وبشرّي قد بدؤوا بالوصول بسهولة إلى القمة السوداء وأصبحوا على تماس فيها. وعلى المقلب الآخر الشرقي من قمّة القرنة، فإنّ المنطقة ما زالت جرداء إلى حدّ ما، وبذلك لا يستطيع أهالي بعلبك والهرمل الوصول بهذه السهولة إلى القرنة السوداء مع أنّها تابعة لهما إدارياً في الحقبة الفرنسية. ولهذا، فإنّه على الدولة إيجاد حلّ مُرضٍ لكلّ هذه الأطراف والفصل بينهما تجنّباً لإثارة المشاكل والنزاعات الي أدّت، كما حصل، إلى إزهاق الأرواح البريئة.