كانت تنقصنا جريمة «القرنة السوداء»، في هذه المرحلة بالغة الدقة والخطورة التي يجتازها لبنان الحديث وسط معاناة قاسية يعيشها اللبنانيون في نواحي حياتهم كلها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمالية والمعيشية والإنسانية والأخلاقية، في وقت يرمي الشغور الرئاسي والفراغ العملي بثقله ما يضيّق سبل العيش ويعمّق هاوية الانهيار الشامل.
هذه الجريمة التي سقط فيها الشاب الناهض هيثم طوق ونتج عنها مباشرة مقتل الرجل الدمِث مالك طوق ما كان لها أن تقع لو أن في لبنان دولة غير هذه التي نهجها المزمن الإهمال وترك الأمور على قاعدة «ماشية والرب راعيها»… ما يطرح سلسلة أسئلة:
أوّلاً – هل جريمة القرنة السوداء بنت ساعتها، أو إنها محصّلةٌ «طبيعية» في سياق تداعيات واقع مأزوم متمادٍ منذ عقود؟
ثانياً – ولأنها ليست ابنة ساعتها فماذا فعلت الدولة العليّة طوال سنوات وعقود لِـ «ترسيم الحدود» (وعفواً لهذا التعبير) بين بشري وبقاعصفرين؟
ثالثاً – ولمّا كانت السلطة اللبنانية تعاملت مع هذه المسألة بالإهمال، كي لا نقول بالجبن وربما بالتواطؤ، فلماذا لم يتحرك القضاء للبت في غير قضية رُفعت أمامه في شأن الخلاف المستحكِم بين بشري والضنية وسواهما في مختلف المناطق؟
رابعاً – ما هي القاعدة التي يستند إليها الطب الشرعي في اتخاذ قراره وإصدار تقريره؟ واستطراداً كيف يمكن تفسير الاختلاف الفاضح بين تقرير ورد فيه أن الرصاصة أُطلقت على الضحية الأولى عن بعد 200 متر، والتقرير الآخر الذي أفاد أن الجاني كان على بعد يراوح بين 15 متراً وعشرين متراً؟ أوَليس أن ثمة تفاوتاً لا يمكن هضمه بين المسافتين؟ وأي تقرير منهما يجب اعتماده، لاسيما أن المسافة بالغة الأهمية فيما لو وصلت الجريمة برمتها الى القضاء؟!.
ونود أن نقول إن الاهمال والتراخي واستمرار غياب (أو تغييب) القضاء ستترتب عليه تداعيات موجعة، وبالتالي إن أدنى مندرجات الواجب ومقتضيات المصلحة الوطنية العليا تفترض حراكاً سريعاً لتحقيق الآتي:
1 – كشف الجريمة الشنعاء بوقائعها كاملة وبكشف مرتكبها أو مرتكبيها بسرعة قصوى لأن في ذلك تداركاً للأعظم.
2 – إنْ تسارع الأجهزة الأمنية (المعلومات ومخابرات الجيش والأمن العام وأمن الدولة) الى التنسيق في ما بينها وتقاطع معلوماتها لتبيان الحقيقة.
3 – أن يتولى القضاء الجنائي النظر في الجريمة من دون أي مماطلة.
4 – أن يمسك القضاء العقاري بهذه القضية ويتابعها الى خواتيمها بتحديد حق كل طرف بأرضه.
وأخيراً وليس آخراً، أحر العزاء الى ذوي الضحيتين والى بشري المقدَّمين عموماً. وعسى تكون دماؤهما كفّارة عن الإهمال المتمادي وحافزاً على إيقاظ الدولة من سباتها العميق.