سياسة تقرير
النتيجة التي نالتها القوات اللبنانية في قضاء بشرّي لم تكن «انتصاراً». على العكس من ذلك، أظهرت الأرقام أنّ «القوات» في عقر دارها لم تتخطّ قدرتها التجييرية الـ13000 (أرقام 2009 نفسها)، رغم ارتفاع نسبة الناخبين واقتراع المغتربين. في المقابل، «نجح» المعارضون لسمير وستريدا جعجع في الاختبار الانتخابي، من خلال الحصول على رقم جيّد، يُبنى عليه مستقلاً
«همروجة» انتصار القوات اللبنانية في الانتخابات النيابية، وارتفاع عدد نواب كتلتها، التي تضمّ حزبيين و«حلفاء» وقّعوا تعهّدات بالالتزام قواتياً، حرفت الأنظار عن نتائج الانتخابات في قضاء بشرّي. صحيحٌ أنّ «القوات» حافظت، في مسقط رأسها، على المقعدين النيابيين، ونالت نتيجة 66% من عدد المقترعين (بلغت نسبة الاقتراع في بشرّي 39%). إلا أنّه لا يُمكن المرور أمام هذا الاستحقاق من دون التوقف أمام عدم ارتفاع القدرة التجييرية للقوات (نالت اللائحة 13001 صوتاً. وفي دورة الـ2009، نالت ستريدا جعجع 13066 صوتاً وايلي كيروز 12751 صوتاً).
ما هي النتيجة التي حقّقتها لائحة «الشمال القوي»، المُمثلة بشراوياً بملحم (ويليام) طوق؟
نال طوق 4649 صوتاً تفضيلياً، واللائحة 4818 (25 صوتاً لروي عيسى الخوري، الذي أوعز إلى مُناصريه يـ«تفضيل» طوق، و144 صوتاً للائحة من دون صوت تفضيلي)، أي ما نسبته 25% من عدد المقترعين. لو حافظ قانون الانتخابات على جوهر مفهوم النسبية، لكان ويليام اليوم نائباً.
ليس بسيطاً أن ينال ابن عمّ ستريدا طوق هذا الرقم، هو الذي بدأ رسمياً العمل السياسي / الانتخابي، قبل قرابة ستّة أشهر، في ظلّ حمله أثقالاً كبيرة (كالترشح على لائحة مع الحزب السوري القومي الاجتماعي وتيار المردة، واسم والده جبران طوق الذي يُثير حساسيات عدّة في المنطقة)، وتفرّق المعارضة البشراوية إلى معارضات، و«تفريطها» بأهمية خوض معركة كَسر احتكار القوات اللبنانية لقضاء بشرّي. هي «الأنانية» السياسية لبعض أفراد المعارضة، ومغالاة بعضهم الآخر بقوته التجييرية، إلى حدّ عدم القبول بالاعتراف بالأقوى بينهم. كان روي عيسى الخوري «الأجرأ» بينهم والأكثر واقعية. إلا أنّ النتيجة كانت هدر فرصة «خرقٍ» جديدة. ولكنّها «تجربة»، تُضاف إلى الانتخابات البلدية عام 2016، يوم حقّقت مجموعة «بشرّي موطن قلبي» المعارِضة نسبة 37٪، مُمهدّة الطريق أمام ويليام طوق، وأسهمت في رفده نيابياً. الرهان حالياً على أن يتلقّف هؤلاء الشباب النتيجتين، البلدية والنيابية، ويُراكموا للمستقبل. ولا يُعيدوا تكرار أخطاء الماضي، حين كانت الجبهة المُعارضة للقوات اللبنانية تتكون فقط من أسماء تقليدية، يقتصر عملها على الاستحقاق الانتخابي.
«لم يُصبنا الإحباط، وأكيد سنُكمل»، يقول مسؤول ماكينة طوق الانتخابية، طوني (مارون) طوق. ويضيف أنّه «ندرس اليوم النتائج وتحليل صناديق الاقتراع، لنرى أين حصل تقصير، وسنتواصل مع الناس. القواعد الشعبية مُهيّأة للتغيير، وأمامنا أربع سنوات». كان من الممكن أن يتخطّى رقم طوق الـ25٪، «لو اتفقنا منذ البداية على اسم واحد»، بحسب طوني طوق. ولكن انقسمت المعارضة بين سعيد طوق وجورج بدوي (لائحة التيار الوطني الحرّ، المدعومة من عدّة شخصيات مستقلة في بشرّي، وقد نالت 1346 صوتاً)، ولائحة «كلنا وطني» (نالت 260 صوتاً)، إضافةً إلى وجود عوامل أخرى: كالتأخر في إطلاق المعركة، وغياب التواصل مع المغتربين، حيث «افتتحنا قبل أسابيع قليلة من الانتخابات مكتباً في أستراليا، حتى يكون لنا وجود شكلي فقط»، ووجود شريحة من الناخبين التي لم يتمكن طوق من أن يطالها، إمّا لوجودها خارج بشرّي ولم يتم حثّها على الانتخاب، وإما لأنها كانت رافضة لتحالفاته.
كان إلى جانب طوق «جنود مجهولون» تسلموا سابقاً رئاسة مصلحة الطلاب في بشرّي
ورغم ذلك، أعطت نتيجة ويليام طوق دفعاً للمعارضة من أجل إكمال المسيرة، إن كان بإعادة انتداب ويليام للعب هذا الدور، أو اختيار شخصية أخرى.
الـ25٪ التي نالتها لائحة «الشمال القوي» لم تكن صنيعة ويليام طوق وروي عيسى الخوري وحدهما. فلا يُمكن إغفال أهميّة «اللغة» التي استخدمها هذا الفريق. فعوض الهجوم على «القوات»، تقرّر استيعاب الأرضية عبر التأكيد «أننا لسنا ضدّ القوات اللبنانية والقضية، ولكن نريد أن نكون مُنافسين بنّائين، ساعين إلى أن تكون بشرّي نموذجية في الإنماء والخدمات. نريد أن نكون كلّنا، عوض وجود الاحتكار». العنصر الثاني، هم «الجنود المجهولون» إلى جانب ويليام، وينقسمون إلى قسمين: الأول، شكّل «عصب» ماكينة طوق، وتسلَّم مسؤوليات مباشرة. والثاني، لم يكن جزءاً من فريق عمل طوق، بل ينتمي إلى الجوّ المعارض والتوّاق إلى التغيير في بشرّي. الاثنان يلتقيان عند نقطة واحدة: الانتماء السابق إلى القوات اللبنانية وتسلّمهم رئاسة مصلحة الطلاب القواتية في بشرّي (التي لعبت دوراً مُتقدماً في سنوات الوجود السوري في لبنان ومرحلة سجن سمير جعجع)، واعتبارهم رأس الحربة في مواجهة جبران طوق خلال الفترات الماضية. هؤلاء «الحُرّاس» عادوا إلى ساحة المواجهة، مُقابل الغياب شبه التام لجبران طوق عن الواجهة، وعدم استعانة ويليام بالعاملين في ماكينة والده، بعد أن أعلن أنّه يبدأ مرحلة جديدة لا علاقة لها بالفترة التي حكم خلالها والده.
جوني طوق، هو واحد من «الحُرّاس». شغِل بين عامّي 2005 و2013 منصب مُدير مكتب النائبين إيلي كيروز وستريدا طوق. نتيجة خلافات بينه وبين الأخيرة، اعتكف لفترةٍ، قبل أن يُصبح مدير مكتب ويليام. إلى جانبه، شربل (حسين) طوق، الذي يتولّى حالياً إدارة مشاريع ويليام الإنمائية والخدماتية في قضاء بشرّي. إلى جانب جوني وشربل، وعشرات الشبان الآخرين، كان هناك دور أساسي للأمين العام لحركة «جمهورية نحو الحرية» المحامي طوني الشدياق، أول من أطلق الحركة القواتية الطلابية في بشرّي خلال التسعينيات. كذلك فإنّ وجود أنطوني جعجع (الذي كان عنصراً أساسياً خلال أول انتخابات بلدية خاضتها القوات عام 1998)، شكّل قيمةً مُضافة إلى اللائحة. الدعم الذي قدّمه الاعلامي رياض طوق، بعد انسحابه من الانتخابات، ومساندة المختار زياد طوق، أسهما أيضاً في رفد «الشمال القوي». طوني ورياض وزياد وجوني وشربل وطوني منصور طوق… «كانوا عامل ثقة للناخبين الحريصين على الحفاظ على المبادئ والخطاب السياسي القائم على الدولة القوية وحصرية السلاح بيد الجيش. وهذا الموقف تبنّاه ويليام»، بحسب المصادر.
كلّ الشباب اليوم متفقون على أمر واحد: الاستمرار. وقد عبّر رياض طوق على «فايسبوك»، بكتابة: «سنبقى ثابتين متصلّبين في حالة معارضة تصاعديّة لا تقف عند حدود انتخابات نيابية بل تتعدّاها الى كل الاستحقاقات المحلية والحزبية». التعويل حالياً هو على استمالة فئات جديدة من المعارضين، لا سيّما هؤلاء الذين كان النائب السابق إيلي كيروز يُشكّل «ضمانة» بالنسبة إليهم. عمل كيروز جاهداً على «ضبط» فورتهم الاعتراضية، ولكن كان ذلك قبل التخلّي عن كيروز كنائب، وعدم تعيينه أمين سرّ تكتل «القوات»، كما راهن قسمٌ من القواتيين البشراويين.
كيف ترى القوات أرقام الآخرين؟
تقول مصادر مُطلعة لـ«الأخبار» إنّ القوات اللبنانية قيّمت نتيجة الانتخابات النيابية في قضاء بشرّي، وتبيّن لها أنها خسرت قرابة 3000 صوت، وذلك رغم اقتراع المغتربين. وكان هناك قرابة 1500 ناخب لم يُشاركوا في الانتخابات، مُنقسمين إلى قسمين؛ الأول، هم عبارة عن 500 صوت مُعارضين لـ«القوات»، لم يقترعوا إمّا لسكنهم خارج بشرّي، ولم يكن هناك متابعة معهم، وإما لأنهم لم يرغبوا في التصويت للائحة تضم الحزب القومي وتيار المردة. والقسم الثاني، يبلغ عددهم ألفاً، حاولت ماكينة «القوات» العمل عليهم، إلا أنّهم عبّروا عن موقف اعتراضي بمقاطعة الانتخابات.
تنفي مصادر ماكينة «القوات» في بشرّي ذلك، وتُعيد تكرار ما ذكره سمير جعجع خلال مقابلته على شاشة «Mtv»، من أنّ «نسبة الاقتراع كانت جيّدة ولكن عانينا من حيتان المال، والخدمات التي قام بها العهد. أما بالنسبة إلى أرقام ويليام طوق، فنحن كنا توقعنا أن ينال هذه النسبة. هو (ويليام) الذي كان يُراهن على أن يحصد أكثر من 5000 صوت ولم يُوفّق». يبدو مُستغرباً أن تتحجّج «القوات» بالمال الانتخابي لتبرير ضعف المشاركة في الانتخابات، هي التي «احتكرت» إعلانات شركة «بيكاسو»، وقبل أشهر طويلة من الانتخابات، على طول الطريق المؤدي إلى بشرّي. كما أنّها أمّنت انتقال ناخبين مغتربين إلى لبنان، ولم تتأخر في التسويق لخدمات «عامة»، وتوظيفها في المعركة الانتخابية. كما أنّ «إشاعات» كثيرة تطالها أيضاً، في ما خصّ المال الانتخابي، في بشرّي وكسروان وجبيل وغيرها من الأقضية.